بينما تستعدّ الأحزاب السياسية لاستقطاب المزيد من الطلاب الجدد فور دخولهم الجامعة، يحلم بعض الطلاب بحياة جامعية صاخبة بالمظاهرات والتحركات والمناشير، فيما يعدّها البعض الآخر “ضياعة وقت وكلام فاضي”، وخصوصاً أولئك الذين يخضعون لتحذيرات الأهل من المشاركة في أي نشاط سياسي
رنا حايك
ليست الجامعة مكاناً للدراسة ونيل الشهادة فحسب، فهي المدخل إلى سن الرشد والحياة الواقعية، وهي المكان الذي تتكوّن فيه شخصية الطالب، والمساحة الوحيدة تقريباً التي تقدّم إلى الطالب فرصة العمل الأهلي والسياسي. تعي القوى السياسية هذا الأمر، فتخطّط لحشد مناصرين لها في قطاع الطلاب. في المقابل، يقف الإحباط السياسي للأهل، الذي يمرّرونه إلى أبنائهم، حائلاً دون قيام التشبيك بين الطرفين أحياناً. وفي لبنان، يضاف إلى ذلك الإحباط تخوّف مسبق للأهل من العمل السياسي، الذي يربطونه مباشرة بحرب أهلية دامية وبأسلحة وميليشيات قد تتحول الأحزاب إليها في أية لحظة، أو حتى تخوّف أخلاقي من الحياة الحزبية التي تتيح للأبناء التفلت من القيم الشرقية المحافظة.
“السياسة مش لإلنا يا بنتي”. بهذه الكلمات، وبعض الابتزاز العاطفي بشأن ما يبذله من مجهود لتأمين دخولها إلى أحسن الجامعات في البلاد، توصّل والد ريتا منذ سنوات عدّة إلى إقناعها بالعدول عن المشاركة في الاجتماع التأسيسي لما سيطلق عليه لاحقاً “مجموعة بابلونيرودا” في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت. اليوم، تخرّجت ريتا، بعدما التزمت تنبيه والدها، إلا أنها لا تزال تشعر ببعض الأسى على هذه الفرصة الضائعة التي مُنعَت من الإفادة منها. وعموماً، تشمل تحذيرات الأهل الفتيات أكثر من الفتيان، لأنهم “يخافون عليهن من أعمال العنف التي قد تقع بين مناصري مختلف الأحزاب السياسية في الجامعة، كما يخافون عليهن من التحرّر الأخلاقي، الذي قد يعتنقنه في الحياة الحزبية، حتى لو عنى ذلك مجرد تأخرّهن في العودة مساء إلى بيوتهن، لأن الاجتماعات قد تعقد في وقت متأخر بما أن مواعيدها تحدد بعد انتهاء المحاضرات”، كما يشرح طارق، الذي يعمل في الحقل السياسي منذ ثلاث سنوات في الجامعة، ويؤكد أن “العمل السياسي يصقل شخصية الطالب ولا يؤخّره عن دروسه بل على العكس، يثري الحياة الفكرية في الجامعة، ويمنحه فرصة لفهم ما يدور خارج أسوار الجامعة التي هي الحدود الأخيرة، التي يبقى على الطالب اجتيازها قبل الوصول إلى الحياة العامة التي نصبح جميعاً جزءاً منها لاحقاً”. وفيما لا تقنع هذه الديباجة أمادة التي ترى أن السياسة “ضياعة وقت” للطلاب العاجزين عن التأثير فيها، قد يصل الحال ببعض الطلاب المتحمسين جداً للحياة الحزبية، إلى الخضوع لتكليف حزبي بالرسوب عن قصد ليبقى في الجامعة متابعاً لشؤون الطلاب فيها ومستقطباً لعناصر جديدة منهم.
إلا أن هذه الحالة المتطرفة تمثّل استثناءً رغم وجودها، بينما يؤكّد عمر أنه كثيراً ما كان رئيس المكتب الطلابي في جميع المدارس التي تنقّل بينها في المرحلة الثانوية التي طرد منها “ليس بسبب العمل السياسي، فقد كنت دائماً الأول على الصف رغم نشاطي السياسي، الذي لم يمانعه أبواي، بل لأنني كنت رذيلاً!”. إلا أن الحظ الذي منيَ به عمر لم يتسنّ لسامر، الذي أخفى عن والده طوال سنوات دراسته أنه المسؤول الطلابي في أحد التيارات السياسية في الجامعة التي انتسب إليها “وجدت الصعوبة الأكبر خلال الانتخابات النيابية الأخيرة، حيث كان يجب علي اختلاق الأعذار الوهمية عن تغيبي الدائم عن المنزل” كما يقول، راوياً كيف أنه اضطرّ أخيراً إلى إخبار والده قبل التخرج، لأنه حتماً سيكتشف ذلك أثناء الحفل. “زعل مني بالأول ورفض يروح عالحفلة، لكنني أشعر بفخره غير المعلن بي لأنني نجحت بامتياز وكنت ناشطاً سياسياً في الوقت ذاته”.


«ما أقصر العمر حتى نضيّعه في النضال»

تعتمد الأحزاب السياسية على آليات مختلفة لاستقطاب الطلاب، باختلاف الجامعات. ففي الجامعات الخاصة، حيث يجري التضييق على العمل السياسي، تلجأ المنظمات الشبابية إلى “إنشاء نوادٍ تضم عناصرها”، كما يقول المنتسب للحزب الاشتراكي، أمير، الطالب في الجامعة الأميركية.
يضيف “وأحياناً منلقوطن من مندوبينا في المدارس”. والتركيز على تلامذة المدارس يعتمده التيار الوطني الحر “الذي هو حركة شبابية في الأساس” كما يقول ماريو شمعون، رئيس لجنة الطلاب في التيار، كما تعتمده حركة أمل أيضاً عبر “تنظيم دورات تقوية لتلامذة الثانوي” كما يقول حسن قبلان، مسؤول مكتب الشباب والرياضة في الحركة، إضافةً طبعاً إلى “الندوات والمهرجانات والمعارض التي تقيمها الحركة في الجامعات التي تسمح بذلك، وخصوصاً اللبنانية”، وإلى مساعدة الطلاب على الحصول على منح، التي تقوم بها جميع المنظمات. أما الحزب القومي السوري، فيعتمد على “الحلقات الإذاعية لا على الانتماء الطائفي.
فالحزب عقائدي، لذلك يعتمد على الاستقطاب الفردي” كما يقول بلال أبو درغم، الناشط في الجامعة اليسوعية.