وقعت مشادّة بين سائق سيارة وآخر يقود دراجة في القبة ـــــ طرابلس... تطوّر الأمر سريعاً فأوقع قتيلين وجرحى. الحادثة تكشف جانباً بسيطاً من تدهور الوضع الأمني والاجتماعي في المنطقة
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
كشف الخلاف الذي وقع عصر الجمعة الماضي، في منطقة القبة في طرابلس، جانباً بسيطاً من تدهور الوضع الأمني والاجتماعي هناك. ثمة تفلّت غير مسبوق في المنطقة. أدّى الخلاف حينها إلى سقوط قتيلين وأربعة جرحى، لكن تدهور الوضع عامةً، ينذر بالأسوأ في حال عدم معالجة ظواهر الفوضى سريعاً. وأوضح شهود عيان لـ“الأخبار” أن الحادثة لم تكن ذات قيمة مبدئياً. كان حدثاً “روتينيا”، إذ وقعت مشادّة “بسبب خلاف على أفضلية المرور بين سائق سيارة خصوصية وسائق دراجة نارية”. باتت هذه النوعية من الخلافات مشهداً يومياً في القبة، وفقاً للشاهد العيان، الذي يرى أن الأمر ناتج من انتشار مئات الدراجات النارية في المنطقة. أما عراك الجمعة، فبدأ بالتلاسن، قبل أن يتطور إلى تضارب بالأيدي بين الطرفين، وينتهي بتبادل لإطلاق النار، بعد استدعاء الطرفين “تعزيزات” من شبّان جاؤوا سريعاً إلى المكان على متن دراجات نارية، مزوّدين بعصيّ وسكاكين وأسلحة فردية. أدى ذلك إلى سقوط الضحايا، “بعدما تحّول الحي الذي وقع فيه الإشكال إلى ساحة حرب حقيقية”. وأشار الشهود العيان إلى أن “تداعيات “المعركة” امتدت لتشمل البيوت والمحال التجارية في الحي المذكور، وأن آثار طلقات الرصاص لا تزال موجودة على الجدران والأبواب والنوافذ، فضلاً عن ظهور عناصر مسلحة في الحي بالتزامن مع وقوع الحادث”. لكن لعل ما أسهم في احتواء الإشكال سريعاً من جانب الجيش والقوى الأمنية، وفقاً لأهالي الحي الذي شهد الخلاف، هو “وقوعه بين أبناء المنطقة الواحدة، مع أنه حصل في حي الشعراني، الواقع على تخوم منطقة جبل محسن”، وهي منطقة ينتشر فيها الجيش انتشاراً واسعاً، ما جعل البعض يتوجّس قبل اتضاح الأمور من أن يكون الإشكال مفتعلاً لتفجير الأوضاع في مناطق الصراع التقليدية في طرابلس. أحد المواطنين الغاضبين على الوضع الحالي، علّق على الخلاف فقال: “إذا كان البعض قد ردّ الإشكال إلى أسباب شخصية بين شبان من المنطقة نتيجة حصول خلافات قديمة ـــــ جديدة بينهم، فإن هذه الخلافات مرشحة للتفاقم أكثر في المرحلة المقبلة، بسبب تراكم مشاكل ومعضلات كثيرة بعضها فوق بعض، واستشراء الفوضى في القبة على نطاق واسع”.
في القبة يرتفع معدل البطالة والأمية وسط غياب أي تماسك اجتماعي لضبط الاشكالات
وفي سياق متصل، أشار عدة مواطنين لـ“الأخبار” إلى أن المشاكل التي تقع في القبة “تبقى بلا أي تدخل فاعل من القوى الأمنية لمنع تكرارها، وأن هذه القوى لا تتدخل إلّا بعد انتهاء الإشكال و“سحب” الضحايا من الأرض، ما يجعلنا نشعر يوماً بعد آخر بأننا أصبحنا منطقة سائبة”. وفي السياق نفسه، لفت بعض أهالي المنطقة إلى أن القبة “بدأت تتحول في السنوات الأخيرة تدريجياً إلى منطقة تعمّها الفوضى والعشوائية، نتيجة إهمال الجهات الرسمية لها، وعدم إيلائها الحد الأدنى من الاهتمام المطلوب (طرقات محفّرة، بنى تحتية سيئة، فوضى ومخالفات عمرانية بالجملة، بطالة وفقر واسعان وغير ذلك)، ما سيجعلها في وقت قريب واحدة من أكثر مناطق طرابلس إثارة للمشاكل الأمنية والاجتماعية، وتغطي على منطقة باب التبانة وتسبقها في هذا المجال”. لم تتوقف الشكاوى عند هذا الحد. إذ لفت أهالي القبة (ممن التقتهم “الأخبار”) إلى أن المنطقة “تشهد منذ سنوات نزوحاً سكانياً كثيفاً إليها من مناطق عكار والضنية تحديداً، وأنها أصبحت بفعل ذلك تضم خليطاً بشرياً غير متجانس، وأن الرابط الأساسي والوحيد بينه هو ارتفاع معدل البطالة والأميّة، ما أوجد فئة كبيرة من الشبان العاطلين من العمل، أو من أصحاب المهن الوضيعة، وسط غياب أي تماسك اجتماعي بينهم من شأنه أن يضبط أي إشكال قد ينشب بين هؤلاء الشبان لأتفه الأسباب”.
وعند الحديث عن منطقة القبة، في الشمال، فلا بد من الإشارة إلى أن أغلبية أهل المنطقة الفعليين (السكان الأصليين) نزحوا منها على مراحل متعاقبة في التاريخ اللبناني الحديث إلى مناطق أخرى، على اعتبار أن القبة منطقة كثيرة الفوضى والمشاكل. أحد المواطنين الذين بقوا في المكان، سخر من السؤال عن سبب بقائه، مردفاً “من فعل ذلك فعله لأنه إما مضطر لأنه غير قادر مادياً على مغادرة القبة، أو لأنه لا يزال متمسكاً بالمكان الذي نشأ فيه، وإن شهد هذا المكان تغييرات كبيرة شكلاً ومضموناً في السنوات الأخيرة”.
ولعل أبرز تغيير طرأ على هذه المنطقة هو تحول أحيائها وشوارعها البائسة والفقيرة، إلى أماكن يتنازع عليها الشبان. يستخدمون الدراجات النارية بكثرة لافتة، ويفتعلون إشكالات تُستخدم فيها العصيّ والسكاكين، وأحياناً كثيرة لا يتوانون عن استعمال السلاح الفردي. يكاد هذا مشهد أن يصبح يومياً، وخصوصاً في فترات ما بعد الظهر والمساء، فيؤّرق سكان المنطقة، إلى جانب أرقهم المستمر: الفقر.


لقطة

تتزايد يوماً بعد آخر ظاهرة انتشار الدراجات النارية في طرابلس، كما في بقية المدن والمناطق اللبنانية الأخرى وإن بشكل متفاوت ونسبي. وتردّ أسباب هذا الانتشار إلى عاملين.
الأول أن أكثرية مستخدميها هم بأغلبيتهم من الشبان والمراهقين الذين يجدون في استخدام هذه الدراجات «متعة» كبيرة يعبرون من خلالها عن شخصياتهم.
والثاني أن استخدام الدراجة النارية أوفر مادياً من السيارة لناحية مصروف البنزين، إذ إن خزان الدراجة الذي يمكن ملؤه بمبلغ 5 آلاف ليرة لبنانية، يكفي لقيادة الدراجة أياماً عدة، والتجول فيها في أحياء المدينة بحرية كبيرة، لا يعرقلها إلا نصب القوى الأمنية حواجز ـــــ كمائن لتوقيف المخالفين.


الدراجة النارية عملية ولكن...

لجأت المطاعم في مدينة طرابلس، كما لجأت بقية المحالّ والمؤسسات التجارية إلى تزويد العاملين لديها بدراجات نارية، وخصوصاً أولئك الذين يعملون في مجال إيصال الوجبات الغذائية وغيرها من «الطلبات الـ delivery» إلى طالبيها في المكاتب والبيوت... حتى باتت بعض الدراجات معروفة «الانتماء والملكية»، إذ يظهر اسم المؤسسة التي تملكها على صندوق الدراجة. اعتماد الدراجة النارية وسيلةً لإيصال الطلبات إلى الزبائن أسلوب أثبت نجاعته، لكن أصحاب المتاجر واجهوا صعوبات لناحية «قوننة» هذه الدراجات، بعدما كانت القوى الأمنية تُلقي القبض على سائقي هذه الدراجات أو تحجز الدراجة، وذلك نتيجة تزايد شكاوى المواطنين مما يرتكبه مستخدمو الدراجات من إزعاج ومضايقات واعتداءات على المارّة أو سائقي السيارات.