خالد صاغيةاختلفت وسائل الإعلام على بضعة أسماء من التشكيلة الحكومية، إلّا أنّها أجمعت على ورود اسم النائب إدغار معلوف، وزيراً للثقافة.
والنائب معلوف، مهما تكن إيجابيّاته وسلبيّاته، لا يدّعي صلةً بحقيبة الثقافة، وهو لواء متقاعد أمضى حياته في المؤسسة العسكرية ثمّ في المنفى. لا تُعرَف له علاقات في الوسط الثقافي، ولا هوايات ثقافية، ولا معرفة واسعة في هذا الحقل. ورغم ذلك، ارتأى الحريري منح اللواء إدغار معلوف وزارة الثقافة، تماماً كما سبق أن ارتأى القيّمون على البلاد منح هذه الحقيبة إلى فوزي حبيش، والد النائب الحالي هادي حبيش. يومها، أرادت الوصاية السوريّة زكزكة النائب مخايل الضاهر. واليوم، أراد سعد زكزكة جبران باسيل. وفي الحالتين، ثمّة حقيبة «إكسترا»، أو حقيبة «كلاس» كما سمّاها حبيش آنذاك، هي لزوم ما لا يلزم، ويمكن بالتالي استخدامها في النكايات السياسيّة. المهمّ أن يستحوذ الحريري على حقائب المال، والاقتصاد، والطاقة، فنستدين ونستورد ونضرب الإنتاج، ثمّ نخصخص.
يستحقّ الأمر بعض التفكّر. فالمسألة تتجاوز توزيع الحصص، لتشير إلى نظرة رئيس الحكومة المكلّف إلى البلاد ودورها وثقافتها وطريقة إدارتها. فأيّ ثقافة لأيّ جمهوريّة تريد الحريريّة الجديدة زرعها؟
إذا كانت الحريريّة الأولى قد شُغلت باستقطاب كادرات من اليسار والوسط وتوريطها في نشر ثقافة «البلد ماشي»، فإنّ الحريريّة الجديدة مشغولة بتلحين أشعار عبد العزيز خوجة وعرضها خلال شهر رمضان.
وإذا كانت الحريريّة الأولى قد شُغلت بتكوين هويّة وطنيّة على هيئة شركة سوليدير وما تمثّله، فإنّ الحريريّة الجديدة مشغولة بتحويل الانتماءات الطائفية إلى هويّات قائمة بذاتها في لبنان أوّلاً وأخيراً.
وإذا كانت الحريريّة الأولى قد شُغلت بنشر ثقافة المضاربات التي شجّعها في العالم آنذاك بيل كلينتون، فإنّ الحريريّة الجديدة لا تزال تحت وطأة البوشيّة ـــــ البنلادنيّة، فتقسّم العالم إلى فسطاطين: فسطاط معنا وفسطاط ضدّنا، ولا حاجة إلى البحث عن تسويات أو نقاط مشتركة.
وإذا كانت الحريريّة الأولى قد قامت على تبييض صفحة أمراء الحرب، فإنّ الحريريّة الثانية تمجّد أمراء الزواريب وقبضايات الأحياء.
وإذا كانت الحريريّة الأولى قد روّجت لثقافة الاستدانة التي حملت الوعود الربيعيّة، فإنّ الحريريّة الثانية تتبنّى ثقافة الخصخصة من دون وعود.
ثقافة قائمة على الأيديولوجيا العارية، تدمج التبعيّة السياسيّة باقتصاد التراكم الأوّلي، ويقودها حديثو نعمة. في ثقافة كهذه، يصبح العسكريّ المتقاعد مناسباً لوزارة الثقافة.