غاب الفنانون عن الجامعات وندر وجودهم في الأماكن العامة كالشوارع، لكن «ملائكتهم حضرت» في المكانين. هل هذه هيفاء أم نانسي؟ قد تنطلي الخدعة على الكثيرين في البدء، لكن لا بد «للحقيقة» أن تنجلي، فهؤلاء لسن سوى فتيات عاديات، أو طالبات يحاولن التشبّه بفنانات، ويتمثّلن بهن
ملاك عواد
«بدي عيون هيفا، خدود نانسي وشفاف أنجيلينا»... تلخّص هذه الأمنية حلم كثيرات من الصبايا اللواتي وضعن نصب أعينهن صورة أحادية للجمال، تمثّلها إحدى الفنانات، واستثمرن جميع الإمكانات للوصول إلى الهدف السامي في التشبه بها. في هذا السياق، تؤدّي عمليات التجميل دور الوسيلة السحرية، فهي تصنع من الشبه ليس فقط أربعين، بل مئات. وفي المحصّلة الـ«متشبّهات بالفنانات» تصادفهنّ ليس فقط على شاشات التلفزة أو في الملاهي والمسارح أو حتى في الشوارع، بل في الصروح التعليمية أيضاً. تطل «نهاد» بكعبها «العشرة سنتمترات» عند مدخل الجامعة. تتفقّدها كل العيون، فقد جعلت هيفاء وهبي هدفها بشكل لا يخفى على الناظرين. شعر أسود طويل مصبوغ. عينان خضراوان، تعلوهما طبقة من الماكياج الأسود «السموكي»، إضافةً إلى شفتين منفّختين لا يسعفانها على أداء وظيفتهما الكلامية، وجسد ضاق ذرعاً بالثياب التي كسته عنوة، فنتأ من كل فسحة ممكنة. ورغم ذلك كله، شبيهة هيفا «لم تقم بأي عملية تجميلية» على حد قولها: «جمالي طبيعي والماكياج مكمّل له» تقول بكل ثقة. نهاد ترى أن الشبه بينها وبين هيفاء وهبي «من عند الله»، تزيد على ذلك «أصلاً أنا أحلى من هيفا»، مبرّرة «كتير شباب بيقولولي هيك». والشباب هم أصدقاء «نانو» كما تحب أن يدلّعوها، يتحلّقون حولها طول النهار على عكس الصديقات «القليلات لأنهن يغرن مني» كما تقول. أما دارين، فتشبه نانسي عجرم. إلا أنها، بخلاف شبيهة هيفا، تعترف أمام الملأ بالعمليات التجميلية الـ13 التي قامت بها لتشبه «محبوبتها ومثالها الأعلى». لكن الأهم بنظرها أن نانسي «طيوبة» مثلها، ولذلك اختارتها من سوق الوجوه الفنية. دارين تعدّد الدوافع التي أوصلتها إلى «تغيير المظهر الهستيري» كما تعترف بتسميته، فقد عانت الصبية سابقاً الكآبة لأنها «كنت بشعة» كما تقول مضيفة «بلغت العشرين ولم يعجب بي أي شاب». كآبة أوصلتها إلى حدّ القيام بمحاولة انتحار. حينئذ وعدها والدها التكفل بتكاليف العمليات التجميلية. أما الآن، فقد أصبحت أوضاع دارين العاطفية «مزدهرة» على حد تعبيرها، والفضل يعود إلى «وجه نانسي الذي ركّبته اليدان السحريتان للطبيب على جسدي» كما تقول ضاحكة.
دوّامة التشبّه بالفنانات لم تبتلع الفتيات فقط، فللشباب أيضاً في ذلك حصة وافرة. وإن كانت غاية الصبايا الصريحة تجميل مفاتنهن وإغراء الجنس الآخر، فغاية الشباب التي لن يعترفوا بها أبداً هي إظهار رجولتهم وجذب الصبايا. «أحمد» أحدهم، يأبى أن يقارنه أحدهم بوائل كفوري، رغم الشبه الواضح بينهما. شعر منسدل. ذقن كثيفة. فم مرسوم. إضافة الى حركات جسدية متشابهة و“style” ثياب مماثل، وذلك باعتراف الكثير من أصحابه وزملائه في الجامعة. رغم ذلك، يصرّ أحمد على الإنكار، فهو «لا يحب وائل»، كما يردد دائماً، يسعفه في ذلك أن وجهه يبدو طبيعياً لا تبدو عليه آثار أي عملية تجميل.
وبما أن الطب التجميلي هو «ملاذ» المتشبهين، كان لنا حديث مع الاختصاصي في الجراحة التجميلية الدكتور محمود عواد، الذي شدّد على ازدياد هذا النوع من العمليات التجميلية، المترافق مع تضاعف «الخطورة» على حياة المتشبه، إذ يريد إجراء العملية بأي ثمن ممكن، لافتاً إلى أن معظم الزبائن من الفتيات.
في عيادة الدكتور عواد، حازت هيفاء وهبي المرتبة الأولى في سوق الوجوه الفنية المطلوبة، تليها اليسا.


ظاهرة التماهي في الطب النفسي

يعرّف اختصاصيّ علم النفس العلاجي الدكتور وليد سركيس الظاهرة بـ «التماهي»: فيها، يبحث الشاب عن هوية، فيتطلع إلى الفنان الذي يملك خصائص تنقصه، ويستحوذ عليها سواء أكانت تتعلق بالمظهر الخارجي أم السلوكي. يرى الدكتور أن التشبه لا يتعلق بقيمة الفنان كفنان، بل كصورة رجولية أو مثال أنوثة يفرضه الذوق العام. والهدف «إغواء الجنس الآخر». وعلى خلاف ما يعتقده الكثيرون فالتشبه «موجود عند الشريحة الذكورية بشكل أكبر منه عند الفتيات، لكنه يكون أقل وضوحاً» على حد تعبير الاختصاصي. يشخّص المعالج النفسي أن «الحب» هو العلاج النفسي الذي يمنح المتشبه «التقدير الذي ينقصه». أما الأشخاص الذين يتخطّون ذلك، فهم أولئك الواعون لقدراتهم وإيجابياتهم.