حسام كنفاني


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

«لا داعي إلى لقاء نتنياهو إذا واصل الاستيطان». من يستمع إلى مثل هذا التصريح الصادر عن الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس يوشك أن يصدّق أن أبو مازن بات قادراً على فرض شروطه على طاولة المفاوضات. ويتوهّم المستمع أن عبّاس يملك حريّة القرار في رفض دعوة قد يوجّهها الرئيس الأميركي باراك أوباما لعقد قمّة ثلاثيّة على هامش اجتماعات الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، أو أنه متحيّر بين مجموعة من الخيارات البديلة التي من الممكن أن يلجأ إليها لمواجهة السياسة الإسرائيلية.
إلّا أنّ الواقع مخالف تماماً لفحوى التصريح «العنتري» لأبو مازن، الذي يمكن الجزم بأنه للاستهلاك الداخلي، وبأن لا قيمة له في الأسواق الخارجية. سيشارك عباس في القمة التي سيدعو إليها أوباما حتى وإن وصل الاستيطان الإسرائيلي إلى مقر المقاطعة في رام الله. هذا ما يقوله السجل السياسي لأبو مازن منذ ما قبل توليه السلطة، ومنذ ما قبل اتفاقات أوسلو. معروف أن التفاوض السري والعلني هو الأمر الوحيد الذي يتقن فعله، بغض النظر عن مردوده. ومن المؤكّد أن اليوم لن يختلف كثيراً عن الأمس بالنسبة إلى الرئيس الفلسطيني، الخارج حديثاً بعباءة «الزعامة» بعدما وضع يده على «فتح» كاملةً، واللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير.
لن يشعر عبّاس بالحرج لسقوط كلمته أو عدم احترام شروطه. هو قادر على المراوغة وتقديم الذرائع التي لا تقنع أحداً. وتبرير مشاركته في القمة المرتقبة جاهز من الآن، وبدأ الترويج له حتى قبل إعلان قراره الرسمي؛ فها هي الإدارة الأميركية تعمل جاهدة على إقناع إسرائيل بصفقة تجميد أو «تأجيل» للاستيطان، تسمح للرئيس الفلسطيني بالحفاظ على بعض ماء الوجه، حتى وإن كانت مرفقة بتسريع في العقود الاستيطانية في مستوطنات الضفة الغربية وغير شاملة لعمليات التهويد في القدس المحتلة.
التفاصيل غير مهمة بالنسبة إلى أبو مازن، الذي سيسارع إلى شراء «وهم» التجميد وإعادة بيعه في الداخل الفلسطيني، على أن يضيف إليه الذريعة الأزلية، العربية والفلسطينية، عن «خيار السلام الاستراتيجي»، على اعتبار أن السلطة خصوصاً، والعرب عموماً، لا يريدون الظهور بمظهر المعطّل لجهود الرئيس الأميركي، حتى وإن كانت بوادر فشلها قد بدأت بالبروز تباعاً.
لكن ماذا عن الخيارات الموازية لـ «استراتيجيّة السلام»؟ سؤال قديم مستجد لا يجد له إجابة واضحة عربيّاً وفلسطينيّاً؛ العرب، وتحديداً الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، يدأبون منذ أكثر من عام على التلويح بمراجعة مبادرة السلام العربية في حال عدم الحصول على بوادر اتفاق سلام نهائي. هذا الحديث كان في الأشهر الأخيرة لولاية الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. ورغم نكسات ما بعد أنابوليس، فإن أي مراجعة لم تحدث، ومن المؤكد أنها لن تحدث، ما دامت قد تفسّر بأنها ضد طرف عربي بعينه، أي السعودية، التي تعدّ نفسها صاحبة الحق الحصري للمبادرة والتصرّف فيها.
فلسطينيّاً، لم تُعرف لعباس خيارات، وهو شخصيّاً لم يلجأ إلى مثل هذا الترف، إلا إذا كان يرى أن برنامج الدولة من جانب واحد خلال سنتين، الذي أعلنه رئيس حكومته سلام فياض، خيار بديل، وهو ما يمثّل كارثة تفوق المفاوضات العديمة الجدوى التي يخوضها الآن.
يبدو واضحاً أن اقتراح فيّاض يحمل مخاطر جمّة على القضيّة الفلسطينية. إعلان الدولة قبل الوصول إلى اتفاق يعني عمليّاً التنازل عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. فماذا لو انتهت مهلة السنتين وكانت المستوطنات لا تزال جاثمة على صدر الضفة الغربية، وبقيت القدس المحتلة أسيرة التهويد، وظل اللاجئون تائهين في مخيمات الشتات؟ هل سيعلن عبّاس وفيّاض دولتهما؟ إذا كان الأمر كذلك، فتلك ستكون فرصة إسرائيلية ـــــ أميركية لا تعوض، إن لم تكن منسّقة سلفاً مع الطرفين. ليس هناك ما هو أفضل بالنسبة إليهما أكثر من قيام مثل هذه الدولة المؤقتة، التي قد تسعى الولايات المتحدة إلى تأمين الاعتراف لها من مجلس الأمن وسائر المحافل الدولية، للتحول إلى أمر واقع دائم لدولة بلا أسس.
أبو مازن لم يطلق صراحةً أيّ موقف من وثيقة فيّاض عن «خيار السنتين»، بل سعى إلى تسريب أن الأخير يعمل بمعزل عن قرارات الرئيس الفلسطيني. لكن هذا التسريب، عدا عن أنه لا يقنع أحداً، لا يعفي عبّاس من المسؤولية تجاه ما يحاك في الخفاء. ومقولة «إن كنت تعلم فتلك مصيبة، وإن كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم»، أفضل ما يناسب عبّاس في هذه الحالة.