بعد قضية أجهزة محطة الباروك الإسرائيلية الصنع، التي لم تنتهِ تداعياتها بعد، ظهرت أمس معدات إسرائيلية في معمل لفرز النفايات عند الطرف الجنوبي من مدينة صيدا. المعدات المدموغة بعبارة «صُنع في إسرائيل»، التي تمثّل أجزاءً من آلات كبيرة أميركية الصنع، فاجأت العاملين في المعمل، كما رئيس مجلس إدارته الذي أكد لـ«الأخبار» أنه اتخذ الإجراءات اللازمة مع المعنيين «وفق الأصول»
صيدا ــ خالد الغربي
فقد فوجئ عمّال الباطون والفنيون العاملون في مركز معالجة النفايات المنزلية الصلبة IBC، وهو المعروف بمعمل الفرز، وغير المرتبط إطلاقاً بموضوع معالجة مكبّ نفايات صيدا، بأن القطع والآلات التي استوردت من الخارج قبل عشرة أيام تقريباً هي إسرائيلية الصنع. إذ لا تزال دمغة made in Israel (صنع في إسرائيل) موجودة على حديد بعض المعدات، كما على أوراق لاصقة على القطع، فيما حُفر بعضها حفراً على قطع أخرى، علماً بأن هذه الآلات موضّبة بصناديق خشبية كبيرة محكمة الإغلاق.
ولم يمض وقت طويل، حتى وصلت قوة أمنية تبيّن أنها تابعة لفرع الجنوب في استخبارات الجيش اللبناني، عملت على تفكيك المعدات، وخصوصاً تلك التي كُتبت عليها عبارة «صنع في إسرائيل» باللغة الإنكليزية، ونُظِّم محضر بالأمر بعد جمع معلومات عمّا حصل. وقد أكد مصدر سياسي في صيدا تابع الملف أن وصول دورية الجيش حال دون محاولة البعض تفكيك هذه الأجهزة وإزالتها لإخفاء الأدلة. وكشف المصدر أن أوساطاً قريبة من تيار «المستقبل» سعت إلى ضبضبة الملف ومنع المضي في التحقيقات على قاعدة أن أصحاب الشركة قالوا إنهم لا يعلمون كيف حصل الأمر وإنهم استوردوا المعدات من الولايات المتحدة الأميركية ولم يكن في بالهم أن الشركة الأميركية تتعامل مع شركات إسرائيلية. وحسب المصدر السياسي، فإن اتصالات جرت مع جهات أمنية وعسكرية للتأكيد أن التحقيقات ستحصل من دون أي عرقلة، وستجري مقابلة الاشخاص الذين لهم علاقة بالأمر لتوضيح الصورةالأخبار» التي علمت بوجود هذه الآلات والقطع الإسرائيلية في المعمل، تأكدت من الأمر عبر أكثر من عامل وموظف، بعضهم يتولى مسؤوليات أساسية، وإن تحفظوا عن ذكر أسمائهم. ولمزيد من التأكيد، لجأت «الأخبار» إلى طريقة خاصة لدخول المعمل والتأكد من الموضوع. لكن بسبب تعذّر إدخال كاميرات إلى مكان وجود القطع التي بوشر بتجميعها، تطوع أحد الموظفين بتزويدنا بصور كان قد التقطها عبر هاتفه الخلوي. وقد بدت عبارة «صنع في إسرائيل» واضحة جداً، مع الدمغات على المعدات. كذلك لوحظ وجود علامات حفّ تشير إلى أن محاولات بذلت لتغطيتها وإزالتها. وقدّر فنيون القيمة المادية لهذه المعدات بأكثر من مئة ألف دولار أميركي. وكان بعضها سيستخدم لمعالجة المياه الناتجة من فرز النفايات، أي «عصارة النفايات» بعد جمعها.
وفي اتصال مع رئيس مجلس إدارة الشركة، أحمد الزوق، أكد الأخير لـ«الأخبار» أن المعدات التي يجري الحديث عنها هي عبارة عن «حنفيات صغيرة لآلات أميركية الصنع استوردت مباشرة من أميركا»، مؤكداً أنه فوجئ مثل بقية العمال بعبارة «صُنع في إسرائيل» مدونة على المعدات، مقلِّلاً من حجم الموضوع. وأكد أن الشركة بادرت إلى القيام بالإجراءات المرعية في أمور كهذه، قائلاً: «تصرفنا وفق الأصول، وبلّغنا من يجب علينا تبليغهم. وقد حضر الجيش وأجرى اللازم».
الغريب في الأمر أن هذه المعدات التي أُحصي وجود ستّ منها على الأقل تزن بالأطنان، ما يثير المزيد من الأسئلة عن كيفية دخولها إلى لبنان من دون أن تلفت النظر أو تدفع المراقبين إلى فتح الصناديق للاطلاع على ما هو موجود فيها، سواء كان الدخول عبر المرفأ أو المطار أو أي منفذ آخر. فعلاً كيف تبقى هذه الصناديق مقفلة بإحكام من دون أن تبادر القوى المعنية، سواء في مديرية الجمارك أو الأمن العام إلى فتحها والتأكد من محتوياتها؟
يذكر أن إنشاء معمل فرز النفايات هذا، كان عرضة لجدال سياسي عندما طرح أمر إقامته أواخر التسعينيات رجل الأعمال حمزة المغربي. وقد مرّ المشروع، الذي أقيمت له مباني الباطون والإنشاءات الصناعية بعدما رُدمت مساحة واسعة، بعثرات مالية، إذ إن العمل فيه لم يباشر بعد ما عدا بعض التجارب. وبعد التدقيق مع أكثر من شخص، نُقل لـ«الأخبار» أن المغربي ترك المعمل منذ زمن ولم يعد لديه أي علاقة به، وهو الآن خارج لبنان. إلا أن كلاماً كثيراً يتردد في صيدا، يشير إلى تحسن وضع المعمل بعد دخول مساهمين سعوديين وآخرين لبنانيين إليه، وتعود ملكيته إلى شركة مساهمة.