العمل جارٍ على إتمام مشروع المحكمة النموذجية في قصر العدل في بيروت لتتلاءم مع المعايير الدولية. المكننة ستدخل في عملها، ووزير العدل إبراهيم نجار يؤكد أن التمويل الأجنبي لا يعني الارتهان السياسي
محمد نزال
بدت الحركة خفيفة ظهر أمس في قصر العدل في بيروت. انتشر عدد من رجال القوى الأمنية في الخارج. ازدحم السير على مختلف الطرقات المؤدّية إلى المكان. ماذا يجري؟ أو ما الحدث؟ أسئلة كانت تنطق به وجوه المارين من هناك، بعضهم من داخل سياراتهم المتوقفة، والبعض متلفتاً أثناء سيره على الأقدام.
عند الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً، حان موعد زيارة وزير العدل إبراهيم نجّار إلى قصر العدل، وذلك لمتابعة مشروع المحكمة النموذجية “عن كثب”. تلك المحكمة التي تُنشأ في دائرة تنفيذ بيروت، بتمويل من جمعية "USAID" الأميركية، بحسب بيان صادر عن وزارة العدل.
وقف العمّال في المشروع على أجد جوانب الطريق، أحدهم بدأ يتأفّف من “السياسة والسياسيين” من داخل جرافته. “أيمتى رح يخلصوا هالجوقة، بدنا نكفي شغلنا، بتعرف شي يا آدمي”؟.
وصل الوزير نجّار في الموعد. نزل من سيارته وتأبط عكازيه اللذين ما زال يحتاج إليهما للمشي على الأقدام، نتيجة لحادث السير الذي تعرض له قبل نحو سنة. كان قد وصل قبله كل من رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي غالب غانم، والمدير العام لوزارة العدل القاضي عمر الناطور، ومدير مشروع “تقوية النظام القضائي اللبناني” فيليب لامارش، الذي ينفذه المركز الوطني لشؤون محاكم الولايات المتحدة “NCSC”.
تحدث نجار عن المشروع “المُمَول أميركياً”، فأبدى سعادته لـ“تطور الأعمال في قصر العدل في بيروت، ولا سيما في إكمال وإعادة تأهيل وتدشين جناح جديد لما يسمى المحكمة النموذجية في لبنان”. أضاف نجار “إن أهمية المشروع تكمن في أن هذه المحكمة هي دائرة التنفيذ، أي الدائرة القضائية الأكثر دقةً وأهميةً في لبنان، من حيث تنفيذ الأحكام والقرارات والسندات، وما يتعلق بصدقية الالتزام. وهو أساس ما يطلبه المستثمر، الذي يحتاج إلى التأكد من أن الالتزامات والسندات في يد قضاء له كل الصدقية”.
وقف نجار أمام لوحة هندسية توضح شكل المشروع وتقسيمه. نظر إليها ملياً. وكان لافتاً أن لا تكون اللغة العربية هي لغة اللوحة الرسمية للمشروع، بل الإنكليزية، كما طُبع على أعلاها شعار العلم الأميركي وعبارة “USAID”. تابع الوزير حديثه رغم التدافع الذي حصل بين الإعلاميين والشخصيات الموجودة، نظراً لضيق المكان. “فإن المحكمة النموذجية تضم إضافة إلى تأهيل المبنى وزيادة أجنحة فيه، تحديثًا للأرشفة".
تجدر الإشارة إلى أن المتابعين للشأن القضائي، يرون أن أنظمة الأرشفة المعتمدة في المحاكم في لبنان، ما زالت تعمل وفق آليات “متخلفة”، وبعيداً عن عالم التقنية الحديثة، مثل الحواسيب وكل ما يدخل في هذا الإطار. وبالموازاة مع مرور 40 عاماً على اختراع الإنترنت، ثم انتشاره في العالم، كان لافتاً أن يعلن الوزير نجار أنه قد “حان الوقت لأن ندرك أهمية الأرشفة الحديثة المبنية على المعلوماتية والحواسيب والموظفين المتخصصين، فهذا الأمر هو الشاهد الأول على ارتقاء المباني والأقلام وعمل القضاة، وبالتالي الانتقال من عصر إلى آخر”، أضاف “إن لبنان بلد يستحق أن نهتم بعدالته، وأن تبلغ الحداثة صميم قصر العدل، فننظر مع القضاء إلى المستقبل بعين جديدة”.
كشف نجار في حديث له مع “الأخبار” إلى أن تكلفة المشروع “بلغت 500 ألف دولار أميركي، وأن المبلغ دُفع من جانب الـ “USAID”، وفي المقابل تبرع الاتحاد الأوروبي بمبلغ 10 ملايين يورو، لتحديث أجهزة المكننة والمعلوماتية"، كما أعلن نجار وجود مشروع مركز مؤلف من 4 طبقات في منطقة الأشرفية ـــــ بيروت، سيكون مخصصاً لخضوع القضاة للتدريب، والتأهيل بستمرار، وأن التكلفة سوف تبلغ مليون دولار أميركي.
هل في هذه المنح المالية الأميركية والأوروبية ما يمت إلى السياسة بصلة؟ وهل هناك مطالب في مقابلها؟ يجيب نجار بعبارة “فشر، ما حدا رح يقدر ياخد كرامتنا وقرارنا”، ويوضح “أن كل إدارات الدولة لديها جهات مانحة، وفي الانتخابات النيابية كان هذا الأمر بارزاً، ولكن لا ارتهان سياسياً، علماً أن الجهات المانحة مختلفة التوجهات، ومنها الصندوق الكويتي والصناديق الإسلامية والعربية”.
عمّمت وزارة العدل وصفاً موجزاَ لمشروع المحكمة النموذجية. المشروع عبارة عن إعادة تأهيل، وإضافة بناء إلى دائرة تنفيذ بيروت الواقعة ضمن المبنى الرئيسي لعدلية بيروت، كما أنه يشمل إعادة تأهيل شاملة للدائرة البالغة مساحتها حوالى 475 متراً مربعاً، وإضافة بناء جديد محاذ إلى دائرة التنفيذ بمساحة حوالى 180 متر مربع.
يحتوي المشروع على مدخل فسيح وقاعة للمحاكمة (مضافة إلى البناء الجديد) التي تتسع لنحو 50 شخصاً، وستكون مجهزة بوسائل حديثة مثل أجهزة صوتية ومعلوماتية وبصرية، وثلاثة مكاتب قضاة (تتم إعادة تأهيلها)، ومكتبين إضافيين مستحدثين، على أن تتصل المكاتب الخمسة بعضها ببعض، وبمدخل خاص لقاعة المحكمة الجديدة. كما ستحتوي دائرة التنفيذ على قاعة مخصصة للأعمال القلمية تتسع لـ18 موظفاً من كتبة ومباشرين وغيرهم، وعلى مكتب لرئيس القلم وغرفة الأرشيف المعدة بنظام حديث ومتطور لحفظ الملفات، إضافةً إلى غرفة المعلوماتية وتتضمن كومبيوتر وآلة تصوير وسكانر وفاكس وآلات طباعة، وغرفة مصفحة تُستعمل خزنة لاحتواء المستندات والأدلة.
في ختام الزيارة أمس، أمل الوزير نجار تعميم هذه المحكمة النموذجية في كل قصور العدل في لبنان.
من جهته، شكر القاضي غالب غانم للوزير نجار حضوره لمتابعة المشروع، وتمنى أن تصبح هذه “المحكمة النموذجية” نموذجاً معمّماً في كل قصور العدل والمناطق في لبنان. وفي حديث له مع “الأخبار” أشار غانم إلى أن “هذا المشروع معني بالشكل الخارجي للمحكمة، أي لناحية البناء والمعدات والتجهيزات التقنية والتكنولوجية، ولا علاقة له بأطر العمل القضائي. ولكن يمكن اعتباره مقدمة لتسريع بتّ الأحكام والعمل القضائي عموماً”، وأضاف غانم إن “مشروع المحكمة النموذجية الذي نحن بصدده اليوم، يأتي على شاكلة أفضل المحاكم في العالم. فهذه التحسينات تسرّع وتسهّل العمل القضائي على مختلف الأصعدة”.


مشروع بناء السجن الجديد

كشف وزير العدل الدكتور إبراهيم نجار في حديث خاص لـ«الأخبار» أن خرائط إنشاء السجن الجديد وقاعة المحكمة في سجن رومية، إضافة إلى جميع الخرائط المتعلقة ببناء السجن الحديث، قد وصلت إليه أمس من مجلس الإنماء والإعمار. وأعلن نجار أن يوم 17/9/2009 سيكون يوم الإعلان الرسمي عن إجراء المناقصة لتلزيم هذا المشروع. ولا يعلم نجار شيئاً عن الجانب المالي أو الجهات المانحة، لأن المشروع في عهدة مجلس الإنماء والأعمار «ولا أدري كيفية تأمينهم للمال أو المنح، علماً بأننا في حاجة ماسة لجهات مانحة تتكفل بناء السجن». وأشار إلى أنه اجتمع قبل 10 أيام مع رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة، ووزير الداخلية والبلديات المحامي زياد بارود، وعدد من كبار الضباط الأمنيين في السرايا الحكومية، وذلك لمناقشة هذا الأمر. ولفت وزير العدل إلى أن المشروع قد راعى في تصاميمه المعايير الدولية لحقوق الإنسان. تجدر الإشارة إلى السجون في لبنان تعاني اكتاظاً شديداً، وفي مقدمتها سجن رومية المركزية، ما يؤدي إلى العديد من المشاكل، وبالتالي يصبح سجناً يتنافى ومعايير حقوق الإنسان.