رامي زريقتتوقف سيارة الأجرة قرب مستوعب نفايات. يخرج منها السائق. رجل في العقد السادس من عمره، خفيف الشعر، ممتلئ الجسد، يرتدي ثياباً عادية، بنطلون جينز وقميصاً قطنياً، لا يدلان على انتمائه الطبقي. ينحني إلى داخل المستوعب، ويباشر بتمزيق أكياس القمامة نابشاً محتوياتها في كل الاتجاهات وكأنه يبحث عن كنز دفين. يقع خياره على علبة كرتون صغيرة، تحتوي على فاكهة متعفنة، قد يكون تخلّص منها بائع الخضار المجاور. يضع الصندوق على الأكياس «المفزورة»، ويأخذ بالتهام الفاكهة الفاسدة. الشارع مكتظ بالمارة، وبالسيارات المستعجلة. لا يكترث له أحد. إنه منظر عادي في عاصمة الرخاء الشرق أوسطية، في شارع الحمرا حيث سعر فنجان القهوة أو كأس الخمر يكفيان لإطعام عائلة فقيرة ليوم كامل، وحيث تكفي فاتورة عشاء في أحد المطاعم الشهيرة لتسديد قسط طفل في المدرسة.
في اللحظة نفسها، يتوقف موكب وزير المال بسياراته الفخمة وزجاجها الـ»فوميه» في ساحة إحدى القرى النائية. يخرج الرجل ببدلته الرسمية الكاملة من ربطة العنق إلى الحذاء اللامع، ويبدأ بإعطاء الأوامر للفريق المرافق. يتجه، تحت أنظار الأهالي المستغربة، إلى مزار ديني قديم، وبيده خريطة تعود، حسب الراوي، للعهد العثماني. يدخل المكان ويأمر بمباشرة أعمال التنقيب: إنه يبحث عن كنز دفين. يحفر رجاله أرض المزار، ويبعثرون محتوياته محدثين فوضى وضجيجاً لا سابق لهما في بلدة لا ترى السياسيين إلا نادراً. يخرج بعد فترة، ويغادر البلدة من دون الإدلاء بأي تصريح.
حادثتان حقيقيتان لهما معانيهما ورمزيتهما: فهما تعبران تماماً عن الواقع في وطن التفاوت الاجتماعي الحادّ: رجال الدولة يبحثون عن الذهب في بيوت الفقراء تاركين الشعب يتسوّل طعامه من مزابل الأغنياء.