قليلاً ما يتناول الصائمون الفلافل. أمّا الفول المدمّس والحمّص وتوابعهما، فتحتجب في الصباح، وتظهر في فترة السحور، على طاولات المطاعم الشعبية. لا تشتعل «كوانين» الفحم إلا قبل فترة وجيزة من الإفطار، فيما يفضّل البعض اللحم المشوي وجبةً ينهي بها سهرته الرمضانية الطويلة. هكذا، وكما يبدّل الشتاء ملابس الناس، يبدّل رمضان بعض عاداتهم الغذائية لجهة نوعية الطعام أو توقيته. في هذا السياق، «تنقرض» مهن غذائية مؤقتاً في رمضان، لتعود مع هلال العيد، بينما تتبدّل مواقيت مهن أخرى. تتغير بوصلة التساؤل عن محتويات السلعة الغذائية، لتتجه نحو حال صانعيها، وأوضاعهم الاقتصادية طوال الشهر الفضيل. أين يذهب بائعو الفلافل بمحالهم المغلقة؟ وهل أرباح اللحم المشوي تحت ضوء القمر في السحور، تساوي أرباحه حين يشوى في نهار الأيام غير الرمضانية؟ وبالنسبة لبائعي الفول المدمس والمسبّحة وما شاكل من الحبوب المطبوخة، هل يحجم الصائمون عن تناول هذا الطعام الثقيل على المعدة؟ أم أن الجوع كافر في شهر الإيمان، فتنسيهم السهرة ضراوة الفول في المعدة؟ أسئلة لن تجد الإجابة عنها، إلا قرب «مناقل» الفحم ودخان اللحم المشوي، وفي محال الفول الساهرة أيضاً. أمّا محال الفلافل المقفلة، فسيجيبك أصحابها الماكثون في بيوتهم... بأجورٍ جيّدة. دأب محمد كمال منذ سنوات على تأجير محل الفلافل الذي يمتلكه. هو كغيره من بائعي الفلافل، يأخذ إجازةً إجبارية في شهر رمضان نظراً لإحجام الناس عن تناول أقراض الفلافل على الإفطار.
من البائعين من يقبض إيجار محلّه ويقضي شهر رمضان في المنزل، ومنهم كمحمد يدخلون شركاء في نصف أرباح المحل، الذي يتحوّل إلى محل حلويات رمضانية. حال الفول المدمّس ليست كحال الفلافل، إذ إن ما يتغير على بائعي الفول هو فقط توقيت البيع. لا مشكلة عند أبي محمد في النوم نهاراً، وافتتاح دورة العمل في محله ببيروت بعد منتصف الليل، وخصوصاً أن معدّل زبائنه هو ذاته إن لم نقل أكثر بقليل. أمّا بالنسبة إلى زبائنه، فالسؤال عن أكل الفول في رمضان، في غير محله. فهذا زبون يحب الفول في السحور لأنه «يسند معدتي طوال النهار ولو مع عطش»، وذاك تغريه جلسة الفول مع الأصدقاء وما يرافقها من طرائف وأحاديث. في مكان آخر، ما زالت أرباح الجزار أبي إبراهيم جبيلي على حالها، وفارق عمله هو التوقيت أيضاً. ففيما يبدو تناول أطعمة كاللحم المشوي مستغرباً لدى البعض، يبدي البعض الآخر استغرابه لعدم أكل اللحم المشوي على السحور، حيث تجد كثيرين مسّمرين أمام رائحة الشواء، ينتظرون سندويشاتهم قبل طلوع ضوء يوم صيام جديد.
محمد...