بدأت الأعمال في مكبّ الكيال القريب من بعلبك لإزالة النفايات منه وتنظيفه. مكب الكيال هو، في الحقيقة، المقلع الروماني الذي استخدمت حجارته لنحت تماثيل وزخارف معابد بعلبك الشهيرة. 60 سنة من الإهمال للموقع الأثري قد تكون أودت بالآثار من أرضه
بعلبك ــ علي يزبك
بيروت ــ جوان فرشخ بجالي
يقع مقلع الكيال على بعد كيلومتر واحد من معابد بعلبك الرومانية، كيلومتر واحد كان يفصل مقلع الحجارة عن إحدى أكبر ورش الإمبراطورية الرومانية، وكيلومتر واحد اعتبره أهالي بعلبك في الخمسينيات من القرن الماضي مسافة كافية لتحويل المنطقة إلى مكب للنفايات. وبذلك تحوّل الموقع الأثري من مصدر للبناء والحضارة إلى مصدر للتلوث والأوبئة، وخاصة أن نفايات مدينة بعلبك (على أنواعها) كانت ترمى فيه عشوائياً. وللتخلص من الروائح، بدأت عمليات إشعال النار في المقلع، ما حوّله إلى بركان من التلوّث ينفث سمومه دائماً وعلى مدار أيام السنة.
تبلغ مساحة تلة الكيال ومحيطها نحو مئة وخمسين دونماً، مقسّمة على عقارين ترجع ملكيتهما إلى بلدية بعلبك. والعقاران مصنّفان كموقعين أثريّين لاستعمالهما مقالع للحجارة ولتوافر المغاور التي حفرت في الصخور، بالإضافة إلى بعض الحجارة التي لم يكتمل قطعها من أرض المقلع. وتقول الدكتورة جانين عبد المسيح، من الجامعة اللبنانية وهي متخصصة في هندسة الحجر في الفترتين الرومانية واليونانية، إن أهمية مقلع الكيال تكمن في نوعية الصخر المستخرج منه. «فقد استخدم الرومان حجارته الكلسية ذات الجودة العالية (لأنها لا تتفتت أو تتكسر خلال النحت) لاستعمالها في إنجاز النقوش والتماثيل. فنحت الزخارف الدقيق جداً يسهل في نوعية هذا الحجر. والمقلع معروف تاريخياً ولكنه لم ينقب علمياً، ما يعني أنه يمكن العثور على بقايا تماثيل أو منحوتات غير مكتملة أو متكسرة فيه. ونقول يمكن لأن النيران التي كانت دوماً مشتعلة في مكب النفايات تحوّل هذا الحجر الكلسي إلى جير يذوب بفعل الحرارة، ما يقودنا إلى القول إن المحافظة على التماثيل لم تعد مضمونة». وكانت بعثة من الخبراء تابعة لمنظمة اليونسكو قد أتمّت سنة 2002 دراسة تفصيلية عن معبد باخوس في بعلبك، هي التي حددت أهمية مقلع الكيال ونوعية الحجر المستخرج منه.
المقلع معروف تاريخياً ولكنه لم ينقب علمياً، ما يعني أنه يمكن العثور على بقايا تماثيل أو منحوتات غير مكتملة أو متكسرة فيه
وفي سنة 2000 بدأت خطة تهدف إلى تنظيف المكبّ من النفايات، وقد غطيت مساحات واسعة من الصخور المحروقة بالأتربة وزرعت الأشجار فوقها، ولكن لم يتم الكشف على تلك المنطقة من قبل علماء الآثار لتحديد أهميتها آثارياً، وإن كانت تحوي أيّ أثر لمنحوتات أو زخارف. واليوم، بدأ العمل الفعلي لتنظيف المقلع بعدما وقّعت بلدية بعلبك عقداً يقضي بمباشرة العمل في بناء معمل نفايات في بلدة الطيبة مموّل من الاتحاد الأوروبي بهبة قيمتها مليون يورو ومساهمة من البلدية بقيمة نصف مليون يورو، على أن ينجز المشروع بعد سنة واحدة، يتم خلالها تنظيف الكيال من النفايات.
ويقول رئيس لجنة البيئة في بلدية بعلبك أكرم مرتضى إنه «أمام تفاقم مخاطر الكارثة البيئية، أعدّت بلدية بعلبك العدّة لإقفال مكب الكيال نهائياً مع تحديد السقف الزمني نهاية عام 2010، وبالتوازي مع ذلك جرى حصر أماكن رمي النفايات في بقعة جغرافية ضيقة وقطع كل الطرقات المؤدية إلى المكب كي لا يتم رمي النفايات بصورة عشوائية من قبل المواطنين، كما كان يجري في السابق».
تجدر الإشارة إلى أن مشروع بناء فرع للجامعة الإسلامية في الجزء الغربي أعطى الدفع اللازم لتحويل منطقة تلة الكيال من مكبٍ للنفايات إلى منطقة صالحة للحياة. وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري هو من وضع الحجر الأساس لبناء فرع للجامعة الإسلامية بعدما قدمت بلدية بعلبك نحو عشرة دونمات من أجل تشييد أبنية ومرافق الجامعة. والموقع الذي تم اختياره بمحاذاة طريق عام بعلبك التل الأبيض هو في المنطقة التي تم تنظيفها وزرعها بالأشجار الحرجية قبل عشر سنوات. وأكد مرتضى أن عدد الأشجار الحرجية التي زرعت في المكان هو نحو أربعين ألف غرسة متنوعة بطريقة منظمة، في محاولة منا لإعادة الاعتبار إلى هذا المكان وتحويله إلى مكان مفتوح أمام الزائرين.
ويؤكد رئيس بلدية بعلبك بسام رعد أنه «بعد استكمال الإجراءات الإدارية اللازمة وحل مشكلة الأرض المصنّفة منطقة أثرية (لأن جزءاً من المقلع سيكون داخل حرم الجامعة، وبالتالي يمنع البناء فيه) سيتم إقفال مكبّ الكيال بقرار لا رجعة عنه مع تأمين البديل. وسيعمل جدّيّاً لمحو الندوب التي خلفتها محرقة الكيال وتحويل اسم المنطقة من مكبّ نفايات إلى مركز للعلم والمعرفة.
مقلع الكيال ليس فريداً من نوعه في منطقة بعلبك، فتشييد تلك المعابد الضخمة تطلّب تحويل جوارها إلى مقالع. فإلى الجهة الجنوبية الغربية يمتد أكبر مقلع من حجر الحبلى إلى قرية دوريس، وتشرح عبد المسيح أن هذا المقلع كان متخصصاً «بحجارة البناء، فهو من الكلس الصلب الذي يستعمل في الجدران وركائز الأبنية. ومن هذا المقلع تم نحت حجارة ضخمة، إلى درجة أن المقلع يقسم إلى جزءين: جزء علوي بارز لأنه فوق الأرض والجزء الثاني دفين في باطنها، يبدو كأنه مغاور صنعها الإنسان. وتؤكد عبد المسيح أن هذه المقالع الرومانية الرائعة الجمال تستعمل اليوم مبيتاً للحيوانات الداجنة وتغطي الأرض بأوساخها. وقد حوّل بعض السكان قسماً من تلك المغاور إلى جور صحية تابعة لمنازلهم».
المقالع الرومانية في بعلبك جزء لا يتجزأ من تاريخ المدينة، وبما أن الاهتمام قد بدأ يطال هذا الجزء من التاريخ، فقد يمتد الاهتمام من الكيال إلى المقالع الأخرى لتنقذ كلها من براثن الإهمال.