بنت جبيل ـــ داني الأمينلم يحن بعد موعد الصوم عند الطائفة المسيحية، لكن بعض المسيحيين من سكان قرى بنت جبيل المختلطة دينياً بدأوه، مشاركين أبناء قراهم المسلمين شهر رمضان. يمكنك أن تجد في هذه القرى أكثر من مسيحيّ ينتظر موعد الغروب، أو مشاركاً في دعوات الإفطار. وهناك كثيرون يمتنعون عن تناول الطعام علناً حفاظاً على مشاعر جيرانهم.
هم أقلية وسط غالبية مسلمة تمارس هذه العبادة كل عام. مشاركتهم في الصوم تنبع من التغييرات التي تطرأ على يوميات الحياة، وخصوصاً في ما يتعلق بأوقات العمل ومواعيد تناول الطعام.
أربع قرى مختلطة بين المسلمين والمسيحيين في قضاء بنت جبيل، تمثّل نمطاً طبيعيّاً وعفويّاً للعيش المشترك. فهذه القرى (صفد البطّيخ، تبنين، يارون، برعشيت) تمثّل بالنسبة إلى جورج توما (صفد البطيخ) «بلدات نموذجية يعيش فيها الشيعة والكاثوليك معاً منذ مئات السنين، حتى بات المسيحيّون ينتظرون شهر رمضان وعيد الفطر، ويراقبون طلوع الهلال أيضاً». يستطرد ممازحاً: «بل إن بعض المسيحيين هنا أصبحوا خبراء بالأماكن التي يجب عليهم رؤية الهلال منها، والطرق الأفضل لرؤيته».
توما يقول إنه يعيش مع زوجته هذا الشهر كما يعيشه جيرانهم المسلمون، تقريباً. هم لا يصومون صوماً كاملاً، «لكن نحن نمتنع مثلاً عن التدخين خارج المنزل وفي مكان العمل، ونحرص على تناول العشاء في موعد الإفطار، كما أننا نتلقّى الدعوات إلى موائد الإفطار كالصائمين».
أما جريس حدّاد، ابن بلدة تبنين، فيصطحب زوجته إلى المطاعم في وقت الإفطار «حيث نأكل الفتّوش والشوربة والقطايف، لم يبقَ إلا أن نشارك في إحياء ليالي القدر»، يقول ضاحكاً. كان الرجل جاداً في عدّ الساعات الباقية لموعد الإفطار ويحكي عن الطعام الذي ستُعدّه زوجته مساءً، مثلها مثل جيرانها من المسلمين. يقول «نعم، نحن المسيحيّين نتهيّأ للإفطار كجيراننا، بل إننا ننتظر هذا الشهر بشغف لأنه يغيّر الروتين المملّ لحياة القرويين هنا»، والدليل حبه لطقوس رمضان المتعلقة بطبيعة الوجبات الرمضانية التي تقدّمها المطاعم في هذا الشهر.
لكن جورج يعقوب (برعشيت) يستشفّ من السؤال تمييزاً بين المسلمين والمسيحيين، فيرفض الحديث أصلاً عن أيّ اختلاف بينهما. في رأيه «نحن نعيش معاً، ويراعي بعضنا مشاعر الآخرين منذ مئات السنين»، وإن كان ذلك لا يمنعه من الإشارة إلى اختلاف وحيد «لكنه ظاهر، وهو أن عدد المسيحيين يتناقص يوماً بعد يوم. لأنهم عندما يهاجرون لا يعودون إلى قريتهم من جديد كما يفعل أبناء القرى المسلمة، وهذا أكبر خطأ يرتكبونه في حياتهم. المسيحيّون هنا يبيعون أراضيهم ويتركون قراهم ويتوجّهون إلى المدن وبلدان المهجر ولا يعودون أبداً، على عكس الشيعة، الذين يبنون المنازل ويشترون الأراضي وهم في المهجر. مثلاً هذا جاري مسيحيّ ترك البلدة ولم يزرها منذ عشرين عاماً».
وعن حياة المسيحيّين في برعشيت أثناء شهر رمضان، لا يقول أبو جورج إنه يصوم لكن «عندما نجلس على شرفات منازلنا، أو في الأماكن العامّة، لا نشعل سجائرنا، ولا نأكل الأطعمة احتراماً لمشاعر الصائمين، وخصوصاً أنهم بدورهم، يراعون مشاعر الصائمين من المسيحييين في أوقات صيامهم».


وآخرون متضايقون

يمثّل المسيحيون في قرى بنت جبيل المختلطة دينياً النسبة الأدنى، لذلك فإن أغلب المحال التجارية والأفران هي ملك المسلمين. وحتى أصحاب الأفران من المسيحيين يقفلون أبواب محالهم نهاراً احتراماً لمشاعر جيرانهم. لذلك يعاني المسيحيون من هذه الظاهرة، «لأننا لا نستطيع شراء المناقيش صباحاً، وكذلك نُحرم طعام المطاعم، لأن محال المأكولات تقفل نهاراً، لذلك بتنا ننتظر المساء لنقصد المطاعم والأفران، فيلجأ بعض أولادنا إلى انتظار السحور وشراء المناقيش وتناولها أثناء الليل».
أما هدى حدّاد فلا تخفي انزعاجها من أصوات المسحّراتي ومكبّرات الصوت العائدة للمسجد، لأنها تقلق راحة النائمين.