يخال المحكوم بدايةً أن السجن هو المرحلة الأخيرة من عقابه. هنا، بعض شهادات سجناء سابقين، و«مداومين على السجن»، تفضح واقع السجون اللبنانية من جديد. السجن ليس العقاب الأخير. تلاحق ذكراه صيت صاحبه، فيصبح مسجوناً فيه، حتى خارج قضبانه
أحمد محسن
ليس غريباً أن يصبح السجن المركزي في رومية الشغل الشاغل للمواطنين، و«قبلة» الإعلام الأولى، بين الحين والآخر. في وطن «صغير» كلبنان، سجن بضخامة رومية، يضم بضعة آلاف من السجناء، يعتبر عالماً قائماً بحد ذاته. وعلى هذا الأساس، فإن الدخول إليه، لا يشبه الخروج منه إطلاقاً. هذا على الأقل ما قاله بعض الخارجين منه. أغلبهم من الشباب تقريباً. ليس هناك الكثير من المسنين داخل السجون، باستثناء القلائل في مبنى المحكومين، حيث يرزح أصحاب الأحكام الطويلة، والمؤبدة. أولئك الأخيرون، لن يتسنى لهم معرفة الحياة بعد السجن. سيقضون فيه حياتهم إلى الأبد. لكن ماذا عن أصحاب الفئات العمرية الشابة، نسبياً؟ بعضهم يصنع له ذكريات في المكان. ثمة آخرون يعتادون عليه، وعلى «قرفه»، كما يصفونه. بعضهم الآخر يرتاب من مجرد الحديث عن السجن، فمهما كان الوقت هاماً في الحياة، لا شيء جميل خلف القضبان. أحد السجناء السابقين، يعترف بأنه مر بمبنى المحكومين «أ» ومبنى الموقوقين «د». كان يتنقل بين مساحات محددة: الزنزانة التي يشاركها فيها أربعة أشخاص، باحة النزهة المحاطة بجدران السجن العملاقة، والدرج الحلزوني الأسوَد. بعد محاولة موقوف فتح الإسلام، الأخيرة والشهيرة، وإجراءات وزير الداخلية للمحاسبة، عاد الضوء مجدداً، ليسقط قوياً على أحد الأمكنة التي لا يصلها الضوء نهائياً. حتى الخارجون من «رومية»، بعد انتهاء أحكامهم، يتحولون إلى فارين. فارين من ذاكرة المكان، وفي أحيان كثيرة، بلا جدوى. يُخشى أنه ليس من إصلاح هناك، ولا من يصلحون.

«رومية» وشمٌ حاد

لا يريد بشير العودة إلى السجن المركزي في رومية. رأى «الويلات» هناك. العالم ضيقٌ خلف تلك الأسوار. لكنه يعترف، قبل سرد أي قصة من قصصه خارج الأسوار، بأن الحال في رومية، كما هي الحال في أغنية أوتيل كاليفورنيا: متى دخلت، لا يمكنك الخروج أبداً. يمكن أن تنتهي فترة السجن التي أصدرها القضاء بحقك طبعاً، ويمكن أن تغادر السجن من البوابة الرئيسة، كأنك مواطنٌ نظيف من وحل السجن، يقول بشير. ستختلف الأمور في الخارج. لم يتوقف الأمر على عيني بشير وحده، التي ستداعب الأشجار القريبة من مبنى السجن، فور خروجه منه. عيون الآخرين أيضاً قد تختار له شكلاً نمطياً، كما ظن لحظة خروجه. لطالما فكر في هذا الأمر أثناء دوامه القسري: رومية وشمٌ حاد. «كان في رومية، خرج من رومية، خريج رومية» يعلّق الشاب العشريني على الأمر، مؤكداً أن الصفة ما زالت تلازمه منذ سنتين، وأنه يسمع كلاماً من هذا النوع من حين إلى آخر. في الحي الشعبي، المكتظ بالفقراء، حيث يقطن، يعرفون أن الجنحة التي ارتكبها لم تكن حدثاً متوقعاً، وأنه ليس «خريج حبوس». سهّل ذلك عليه إعادة الانخراط في الحياة الاجتماعية، وقد علقت في ذاكرته الأيام السوداء، في مبنى الموقوفين، حيث يختلط الكبار بالصغار، والهواء بالروائح العفنة، وتصبح الأيام موتاً مستمراً. عاد اليوم ليمارس مهنةً، يمكن القول إنها مهنة الهروب من البطالة. يقود اليوم سيارة أجرة، ويكره الحديث عن السجن والسجون. أحياناً، يحدق في وجوه الركاب. يحاول التكهن إن كانوا مثله، زاروا ذلك المكان يوماً ما. «في السجن، تخال كل الناس محكومين»، يشرح وجهة نظره. يتجنب العراك، كي لا يستغل أحداً ذكرى رومية، لإفساد ما بقي من صيته. رغم أنه عامل يومي، وغير مؤذٍ على الإطلاق، إلا أن المجتمع لا يرحم أحداً برأي بشير.
لم تكن الأمور مشابهة مع حسين. يسهل لمحادثه، أو الناظر إليه، أن يتكهن بأنه زائرٌ دوري لرومية. يعج ساعداه بالأوشام. وعلى
أحد السجناء السابقين: يتهيأ لك خلف القضبان أن الناس كلهم محكومون مثلك

لا يريد أسامة كل الألقاب التي أورثه السجن إياها بل يريد عروساً تنقذه من «الصيت القديم»

أكد مسؤول أمني رفيع أن مسألة الخطأ في السجل العدلي باتت شبه معدومة بعد المكننة
مقربة من أصابعه في المسافة بين ظاهر اليد، يبدو وشم الثلاث نقاط غريباً. كان الأخير في ما مضى، لفترة تعود إلى ما قبل الحرب الأهلية، محصوراً برواد السجون. يمكن أياً كان أن يضعه الآن، صار مألوفاً. علامات التشطيب بادية هي الأخرى على جسد حسين. شطب نفسه أكثر من مرة، كانت إحداها في السجن. كان يطلب نقله إلى المستشفى. في الخارج، لم يجد لنفسه عملاً. دخل بتهمة النشل، والموضوع خارج النقاش بالنسبة له. ينشل لأنه لا يجيد عملاً آخر. وهذه النوعية من الأعمال ستعيده إلى السجن. «حط اسمي» يقول محركاً يده غاضباً. يشير إلى عابري الطريق. يعرفونه، يعرفون ماضيه، لا مفر من ذلك. يطلبون أن يتلو لهم قصصاً من داخل السجن. في وجهه يتعاملون معه كبطل مخيف، أما عندما يدير لهم ظهره، فيعرف جيداً أنهم يشتمونه ويسخرون منه. يشعر بأنه منبوذ. حاول حسين أن يعمل في إمداد الأسلاك الكهربائية، إلا أنه، هو الذي اعتاد «مقارعة رجال الأمن وعدم الخوف من أي شيء»، لم يرضَ لنفسه أن يصرخ «معلمه» ويهدده بطرده. حاول أن يتقبل فكرة التحول إلى إنسان سوي، لا يخالف القانون، والتغاضي عن صراخ رب العمل ومطالبه المتواصلة، لكنهم عاودوا إدخاله إلى السجن، أما السبب؟ فكان دراجة نارية غير مسجّلة. يقسم من دون أن يطلب أحدٌ منه ذلك، أنه لم يسرقها، مردفاً «تعرف كيف تجري الأمور». يقصد أن أغلب السكان في الضواحي لا يراعون الطرق القانونية في تسجيل الدراجات النارية، من دون أن يعني ذلك أنها مسروقة جميعها. يطارده التصنيف بالسوء، لكونه من «أصحاب السوابق». بدأ يعتاد مع الحال. أكثر من ذلك، فإن للسجن مساحة خاصة وحميمة من حياته. له أصدقاء وحكايا هناك، والعودة إليه، بسبب الجنح التي يرتكبها، ليست عاملاً يسبب القلق. اعتاد على ظروف السجن، الرطوبة، الحبوب المسكنة للأعصاب، الصحبة الطيبة (كما يصفها)، التنوع الطائفي. يبدو في هذه النقطة أشد مواطنيةً من كثر خارج القضبان. في السجن كان له رفاقٌ يحبون القوات اللبنانية وتيار المستقبل، علماً بأنه استعاد آراءه السياسية أخيراً، بعد عودته من السجن. انضم إلى أحد معسكرات السياسة. إذا أردت تكون مواطناً فعليك أن تفهم في السياسة، يتابع تحليله ساخراً. تجربة الدخول المتكرر إلى السجن لا توحي بأنه أصلح اجتماعياً، على العكس تماماً. لا يحب أروقة السجن، لكن، وكما في فيلم مغامرة شاوشنك The shawshank redemption، لا يحبذ فكرة العيش مع هؤلاء الناس الذين لا يشبهونه خارج السجن. فات القضاء أن يعيد تكوين صورته، وإصلاحه في السجن ليشبه الناس خارجه.
تختلف الوجوه قليلاً، إلا أن السحنة التي يحظى بها السجناء مماثلة تقريباً. تعابير الوجه، الحركة البطيئة، فقدان الحيوية، وكل تفاصيل الحياة اليومية. توحدهم العزلة. حين يخرجون منها جسدياً، تبدأ معاناتهم في إخراج الصور، وتلك التفاصيل من تعاملهم مع المجتمع. أحمد، أحد هؤلاء، الذي خرج من رومية، وعاد ليدخل إليه، وعاد ليخرج منه، وهكذا دواليك، يشعر بالارتباك الآن رغم حصوله على عمل جيد، في حدادة السيارات، على حد تقييمه. «لا يمكن أن يستفزك شيء في السجن، أغلبهم مثلك»، يقول غامزاً من قناة طبقية. لم يلحظ أحمد أغنياء هناك، على الأقل في مبنى الموقوفين، حيث كان مسجوناً، وحتى في الباحة، يتساوى الجميع تلقائياً. التجمعات تنحسر في أطر أخرى على ذمته. تتقلص الرغبات داخل الزنازين، لتصبح قليلة جداً، «علبة سجائر، طعام جيد، طاولة زهر، الخ ..» يروي أحمد. بينما في العالم الخارجي يدفع الذات لأن تكون أكثر تطلباً «وخصوصاً أمام كثرة السيارات الجديدة والمقاهي والنساء» يعلن ضاحكاً. ينازع أمام مغريات العالم الواقعي، والحياة «البسيطة» في السجن. يخالفه أسامة الرأي. أسامة يعمل في مد أشرطة الستالايت، وتوصيل التمديدات الكهربائية. وعلى حد قوله، يعمل في أي شيء يمكنه القيام به. «حيلا شي إلا السجن». تاب نهائياً. أسامة معروفٌ في ذكائه الحاد (ينادونه بالحربوق) بين شباب الحي الذي يسكنه، وفي أن «قلبه ميت». وقلبه ميت، في أوساط الشبان، تعني أنه شجاع، وقادر على الدفاع عن نفسه بشراسة. إلا أن تلك الصفات لم تعد مرضيةً بالنسبة إلى أسامة. دخل في أواخر الثلاثينيات ولم يتزوج بعد. يريد «عروساً» تخرجه من «الصيت القديم». تخرجه من حدود أسوار السجن، الذي ما انفك يلاحقه، حتى بعد «التوبة النصوحة».

آثار السجل العدلي

الدخول إلى السجن، ليس كخروجه، بالنسبة للقانون، كما بالنسبة إلى المواطنين العاديين. السجل العدلي أصح مثال على ذلك. فحتى لو انتهى فترة الأحكام، لن يكون الشعار على تلك الورقة، لا حكم عليه. ثمة نقاط ستوضع، تشير إلى الأحكام السابقة. وتصدر بيانات السجل العدلي عن مكتب السجل العدلي التابع لوحدة الشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي، وينظم عمل المكتب المرسوم 4385 الصادر يوم 5/11/1972. وكان الرئيس الأسبق للجنة الإدارة والعدل النيابية، والرئيس الأسبق للجنة تحديث القوانين، النائب السابق أوغست باخوس، قد أكد في حديث مع «الأخبار»، أن هذا الموضوع كان «أحد هواجس أعضاء لجنتي الإدارة والعدل وتحديث القوانين، وذلك انطلاقاً من شرعة حقوق الإنسان. وقد شعر النواب حينها بأن الكثير من اللبنانيين المغتربين يمتنعون عن العودة إلى لبنان مخافة تعرّضهم للتوقيف لأيام عدة، إلى حين تسوية أوضاعهم، نتيجة وجود إشارات على صحيفة السجل العدلي الخاصة بهم، نتيجة أحكام بغرامات أو جنح بسيطة»، مضيفاً أن مسألة مرور الزمن على صحيفة السجل العدلي، أخذت حيزاً هاماً من الدراسة آنذاك، ولا سيما في الجنح، ما جعل المواطنين، وخصوصاً الموجودين في الخارج يطمئنون إلى عودتهم لأنه أصبح بإمكانهم تنظيف سجلهم العدلي أمام الهيئة الاتهامية، شرط أن تكون قد انقضت 3 سنوات على الجنحة و7 سنوات على الجناية. ويؤيد باخوس، كغيره من الناشطين الحقوقيين، إلغاء هذا الشرط أيضاً، ما خلا جرائم القتل والمخدرات. واستشهد الباحث القانوني في معرض شرحه لحالة السجل العدلي، بالقانون الفرنسي، الذي لم يعد ينصّ على سجن من يصدر شيكاً من دون مؤونة. ويؤيد الرئيس الأسبق للجنة الإدارة والعدل إصدار قانون عفو عن هذه الجنح والغرامات، مما يريح الكثير من اللبنانيين. وفي سياق متصل، أكد مسؤول قضائي رفيع، ضرورة تنبه الهيئات الاتهامية المتابعة والمختصة بهذا الشأن، إلى الاجتهاد الدائم في تفسير الحالات، الأمر الذي قد يدفع بالقضاء إلى إعادة الاعتبار وتنظيف السجل العدلي قبل انقضاء المدة المنصوص عنها في قانون أصول المحاكمات الجزائية. هذه الحسابات كلها قبل الدخول في تنفيذ الأحكام، لكن ماذا عن أولئك الذين يجدون أحكاماً عليهم في سجلاتهم العدلية؟ للوهلة الأولى خاف علي (أحد هؤلاء الذي وجد أحكاماً غيابية بحقه حين طلبت منه إحدى المؤسسات إحضار السجل العدلي للحصول على العمل) من الدخول إلى السجن، لكن سوي الأمر، بعد اكتشاف أن الأمر خضع لتشابه الأسماء. وفي هذا الإطار، أكد مسؤول أمني رفيع، أن الأخطاء في مكتب السجل العدلي باتت شبه معدومة، بعد عمليات المكننة، والسرعة القياسية التي يمكن المواطن فيها الحصول على السجل العدلي، إضافةً إلى التدريبات التي تلقاها أفراد الشرطة القضائية في هذا الإطار. وعلى أي حال، قد يصبح السجل العدلي نظيفاً من الناحية القانونية تماماً بالنسبة لبعض المحكومين بالسجن، أما ما لا يمكن الجزم بحدوثه، فهو أن يسقط المجتمع أحكامه عليهم، وعدم تصنيفهم «خريجين حبوس».


تنفيذ العقوبات: فرصة للاندماج بعد الخروج

صدر القانون الرقم 463 (قانون تنفيذ العقوبات) يوم 17/9/2002، الذي ينص على «خفض عقوبات المحكوم عليهم جزائياً بعقوبات مانعة للحرية بمنحهم خفض عقوباتهم وفقاً للأحكام الواردة فيه»، كما صدر المرسوم التطبيقي للقانون في 11/5/2006، بعد نقاش طويل وتعديلات إضافية. وتستثني المادة 15 من القانون المذكور، السجناء المحكومين بحظر شامل، كالإرهاب، وجنايات اغتصاب القاصرين. ويخضع طلب السجين للحصول على خفوضات، لآلية بسيطة، توجب عليه تقديم طلب خطي للجنة المسؤولة (تعينها وزارة العدل بالتعاون مع وزارة الداخلية)، موقع منهم شخصياً، أو من محام يمثلهم. وفي المراحل اللاحقة، تدقق محكمة الاستئناف في الطلب، في مهلة لا تتجاوز الشهرين، على أن تأخذ تدابير قضائية إضافية، وفي حال قبولها طلب خفض العقوبة، تبلغ المحكمة قرار الخفض إلى السجن العدلي للمحكوم عليه. ويمثّل هذا القانون، الذي أطلق تطبيقه وزير العدل إبراهيم نجار (الصورة) أخيراً، من داخل السجن المركزي في رومية، في 29 نيسان المنصرم، حافزاً أساسياً للخروج من السجن بسلوك حسن، ما قد يسهل على السجناء الاندماج في المجتمع.


لاجئون عراقيون: لبنان سجنٌ كبير

أكد تقرير صادر عن منظمة هيومان رايتس واتش لمراقبة حقوق الإنسان، أن الطريقة الشنيعة التي تجري فيها الاعتقالات، تدفع اللاجئين العراقيين إلى عدم التقدم من مفوضية اللاجئين أو سلطاتها خوفاً من الاعتقال على الحواجز الأمنية، لكن ذلك يؤدي فعلياً إلى الاعتقال. أحد السجناء العراقيين في رومية، قال في مقابلة مع المنظمة الإنسانية: «لم يخبرني أحد كم ستطول إقامتي في السجن. أرى أشخاصاً موجودين هنا منذ ثمانية أشهر. وإذا لم أتمكن من تنظيم وضعي القانوني فسوف أعود إلى العراق، وإذا عدت إلى العراق فسوف أقتل. لكن من الأفضل لي أن أعود على أن أقضي هنا يوماً آخر محبوساً مع المجرمين. لم أدخل إلى السجن في حياتي، إنها المرة الأولى. لقد عانيت الأمرّين وأفضّل الموت على البقاء». وذكر التقرير أن «في رومية أنواعاً مختلفة من الزنازين: زنازين مخصصة لشخص واحد يوضع بداخلها أربعة، وأخرى مخصصة لثلاثة أفراد، يوضع فيها ستة، أما المخصصة لثمانية فيشغلها 9». ويذكر التقرير «زنازين كبيرة جداً لم تكن يوماً مخصصة لاستضافة محتجزين، إلا أنها الآن تحوي من 100 إلى 120 شخصاً»، كما تحدث عن أوضاع النوم وطعام السجن ودورات المياه المزرية، فضلاً عن إيداع العراقيين، المحتجزين لدخولهم خلسة، في الحبس مع «مجرمين عاديين». وقدم التقرير توصيات عدة إلى لبنان: «إصدار تصريح تنقل قابل للتجديد لجميع اللاجئين المسجلين لدى المفوضية العامة لشؤون اللاجئين، بغض النظر عن قدرة المفوضية على إعادة توطين هؤلاء اللاجئين في دولة ثالثة، وتعديل قانون 1962 لتنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه لإعفاء طالبي اللجوء واللاجئين من العقوبات الخاصة لكونهم في البلاد بشكل غير قانوني». أما التوصيات إلى القضاء اللبناني فكانت بتفسير قانون الدخول المذكور وإضفاء المراقبة القضائية لكل حالات الاحتجاز لأجل غير مسمى. ووجه التقرير توصيات إلى كل من المنظمة الدولية للهجرة، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الحكومات المانحة، ودول إعادة التوطين، ولا سيما تلك المشاركة في تحالف الحرب في العراق، فكانت التوصية بعدم استئناف الأنشطة المتصلة بإعادة اللاجئين العراقيين إلى العراق جبراً، إضافة إلى عدم تمويل تلك الأنشطة. أما الدول، فطولبت بالإسهام بالدعم المالي والتقني لمساعدة لبنان على الحفاظ على الملاذ الأول للاجئين وتمكينهم من الحياة على نحو غير مهين، حتى بلوغ حل دائم لأزمة اللاجئين. رغم معاناتهم، يسمع اللاجئون قصصاً عن السجن، تصوره جحيماً. روت أم عراقية للمنظمة الإنسانية كيفية اغتصاب ابنتها القاصر (13 سنة)، من دون أن تتمكن من اللجوء إلى السلطات اللبنانية: «ذهبت إلى المفوضية أسأل المساعدة، لكنهم سألوني إذا كنت قد ذهبت إلى الشرطة لأبلغ عن الاغتصاب. لكن كيف أفعل؟ ليس لديّ وثائق قانونية، سأدخل السجن إذا ذهبت إلى الشرطة».