عصام العريان *المشهد السياسي في مصر الآن يعكس الحالة العشوائية نفسها التي تسود كل قطاعات الدولة. التعددية الحزبية المقيدة التي بدأت منذ أكثر من ثلاثين سنة، وصلت إلى طريق مسدود، وماتت عيادياً من دون إعلان الوفاة رسمياً. والأحزاب السياسية التاريخية عانت تمزقات داخلية بسبب الركود والحصار اللذين فرضتهما عليها أجهزة الأمن المتدخلة في كل صغيرة وكبيرة من تشكيلاتها وأنشطتها، إن وجد لها نشاط. والأحزاب التي تجاوزت الخطوط الحمراء جُمّدت أو صُفّيت أو حُوّل مسارها أو سُجن قادتها وفُرضت قيادات جديدة عليها. وصارت أخبار الأحزاب تنتقل من صفحات الأخبار السياسية إلى صفحات الحوادث. حتى حزب التجمع اليساري، الذي يفاخر بين كل الأحزاب التقليدية باستقراره وديموقراطيته الداخلية، أصابه فيروس الانقسام والديكتاتورية، وشهد خلافات حادة خلال الشهور الأخيرة ظهرت أخيراً إلى السطح وتداولتها الصحف، بعدما كان الحزب حريصاً على إخفاء خلافات أعضائه وقياداته.
المؤسسات السياسية الدستورية، وفي القلب منها مجلس الشعب المختص بالتشريع والرقابة، فقدت أهميتها في صنع القرار السياسي أو متابعة الحكومة ومراقبتها. وفقد الشعب الرغبة في متابعة ما يدور في أروقة المجلس أو ما يحدث خلال جلساته، وران عليه ركود شديد. وحرصت الحكومة على التقليل من أهمية المجلس وفرضت تعتيماً إعلامياً على جلساته جعل الناس تزهد في متابعة نشاطه إن كان له نشاط. وحتى ما يصدر عنه من قوانين أصبحت محل اتهام وتشكيك في البواعث والدوافع التي تقف وراءها، وفي جدوى صدور قوانين لا تُنفّذ، مثل قانون المرور.
البلاد كلّها تسودها حالة من الركود والعشوائية، وتسيطر عليها حالة من الترقب والانتظار المملّ لقضية لا يد للشعب فيها، وهي انتقال السلطة، حيث تُدبّر الأمور بليل. وحُيّد الاختيار الشعبي، الذي كان يجري سابقاً عن طريق مجلس الشعب، فيرشح هذا اسم الرئيس، ثم يطرحه على الشعب للاستفتاء.
واليوم، في ظلّ المادة 76 من الدستور، أصبحت البلاد في قبضة عدد محدود جداً من القيادات التي نعرف بعضها ولا نعرف الآخرين. هؤلاء يحددون أسماء المتنافسين على المقعد الأول في بلاد ما زالت تحتفظ بالتقاليد الفرعونية وتحوّل الحاكم إلى إله أو نصف إله. الانتخابات الرئاسية تُدار بالطريقة نفسها التي دأبت عليها أجهزة الدولة في غياب الرقابة الشعبية أو الرقابة الدولية، ولا خيار للشعب الذي تُسحق إرادته.
ماذا كان سيضيف حزب جديد أو حتى حزمة أحزاب جديدة إلى هذا المشهد البائس؟ أليس من رحمة الله تعالى أن يجنِّب هذا الحزب تجربة من الواضح أنها في طريق مسدود؟ أم أنّ البعض كان يعتقد أنه يمتلك عصا موسى ليفلق بها حجر الانسداد السياسي أو قدرة عيسى في إحياء موات الحياة السياسية الخراب؟
لقد أضيف حزبان خلال السنوات القليلة الماضية إلى الحياة السياسية: «حزب الغد» و«حزب الجبهة الديموقراطية»، فماذا كانت النتيجة، وأين وصلت بهم الأمور؟

إصدار التراخيص القانونية للأحزاب لن يفيد في تحريك المياه السياسية الراكدة
هل معنى ذلك اليأس والقعود؟ قطعاً لا يمكن أن يكون ذلك هو البديل. المخرج هو في إدراك أنّ الإصرار على رخصة قانونية لن يفيد في تحريك المياه الراكدة. وتوهم أنّ الإصرار على رخصة حزبية قد يضفي حماية قانونية على المؤسسين أو أعضاء الحزب ليس له ما يسنده في الواقع، فإن أمامنا تجارب واضحة سُجن وحُبس فيها أعضاء بارزون في أحزاب قانونية بتهم مختلفة تتعلق بالنشاط السياسي، (وما زال مجدي حسين يتردد على السجون منذ قرابة 15 سنة، وما زال أيمن نور تحت مقصلة الحبس والسجن) ولن تعدم الأجهزة الأمنية ذريعة للإيقاع بقيادات الحزب أو أعضائه، أو الحزب نفسه إذا قررت القيادات الحاكمة ذلك.
المخرج هو مغادرة دائرة السياسة الضيقة، بمعنى العمل الحزبي والتنافس على السلطة والتمثيل النيابي، إلى الدائرة الأوسع: السياسة المجتمعية والاهتمام بالشأن العام والرضى بدفع ضريبة التصدّي للظلم والفساد والإفساد. ولا مانع من المزج بينهما في حدود، والبحث مع الجميع عن مخرج للإصلاح السياسي والدستوري بحيث لا تبقى البلاد أسيرة لهذا الانسداد السياسي الباعث على اليأس والإحباط.
فلنفكر جميعاً ولنراجع الموقف بحكمة وبصيرة ولنخرج من أسْر ذواتنا الشخصية إلى أفق الوطن الرحب. فلنرفع شعار الأمة والوطن في خطر، ولنكف عن التنابذ والشقاق، ولنعمل على توحيد الجهود من أجل إصلاح حقيقي وجاد لإخراج البلاد من أزمتها.
* قيادي في جماعة الإخوان المسلمين في مصر