strong>حنين زغبي * دخلت المؤسسة الإسرائيلية إلى ساحة الخلط المحرج والارتباك الفاضح بين الأمن والسياسة عندما قدَّم التجمع الوطني الديموقراطي طرحاً سياسياً رافضاً للمشروع الصهيوني لمواطنين، عرب ويهود، يعيشون في إسرائيل. وجاءت قوة التحدي الجديد الذي طرحه «التجمع» في بُعدين أساسيين، أولاً: انطلاق هذا الرفض من هوية وانتماء عربيين وفلسطينيين كاملين وواضحين. ثانياً: إنّ رفض المشروع الصهيوني أتى من داخل المواطنة لا من خارجها. بل أكثر من هذا، اعتمد رفض المشروع الصهيوني على مبدأ المواطنة، وليس على رفضه لها. وبالتالي قدّم «التجمع» إجابةً سياسيةً لواقع عيني يعيشه فلسطينيون هم مواطنون في دولة اسمها الآن إسرائيل. هذا هو واقع عمل الحركة الوطنية في الداخل.
الجمع المتناقض في الواقع بين انتمائنا العربي الفلسطيني ومواطنتنا، كانت «ضربة المعلم». لقد سعى «التجمع» لإعادة الاعتبار للهوية القومية العربية كما سعى إلى مواطنة جديدة تتناقض مع الصهيونية. إنّ الجمع بين انتماء واضح، لا لبس ولا مساومة فيه، وبين مواطنة لا تهدّد هذا الانتماء بل تعترف به وتنطلق منه، كانت «ضربة المعلم». إنّ وعي «التجمع» لحدود المواطنة كانت مصدر قوته لا مصدر ضعفه.
هذا الوعي لحدود المواطنة من جهة، ولقدرتها على استيعاب نضال قومي عربي من جهة أخرى، هو الذي أربك المؤسسة الإسرائيلية وحيّرها في كيفية التعامل مع نضال سياسي في جوهره وشكله، كما أربك عدداً من القوى العربية متعثرة الطرح التي لا تزال ترى أنّ أحد الأمرين يجب أن يكون على حساب الآخر.
لقد حوّل «التجمع» المواطنة من قيد إلى قوة، عندما استطاع تحويلها من مواطنة تتناقض مع هويتنا العربية، لمواطنة تتناقض مع الصهيونية نفسها، في الوقت الذي ظنّت فيه الصهيوينة أنها «تشتري» العرب وتبتزّهم بمواطنة تعرضها عليهم.
بالتالي فإنّ التيار القومي، ممثلاً بحزب «التجمع الوطني الديموقراطي»، هو الذي يحمل وزر طرح برنامج مواطنة تتسع لانتمائنا وهويتنا، وهوية تتسع لمواطنة متساوية غير قائمة على الصهيونية، وهو الذي يدفع «ثمن» هذا البرنامج الوطني الديموقراطي.
ونحن نطالب بمواطنة شكلية، أو بالأحرى إجرائية، مثلها مثل كل المواطنات في العالم، تعنى بالترتيبات بيننا وبين الدولة، من دون أن تأخذ طابعاً أيديولوجياً. حامل المواطنة، هو الذي يصب فيها المضمون الأيديولوجي الذي يختاره، ولا تحدّد له المواطنة نفسها هذا المضمون.
بالتالي، أي إخفاق عربي في فهم قوة نضالنا السياسي هذا، وأي إخفاق عربي في فهم برنامج «التجمع»، من شأنه أن يعيد المعادلة في الداخل الفلسطيني إلى مكانها التقليدي وإلى خياراتها التقليدية بين عمل وطني وحتى نضال غير مسيَّس، (أي يضع نفسه خارج دائرة الفعل السياسي، وبين نضال سياسي مؤسرَل). وهذا الإخفاق العربي قد يأتي بطريقتين، أولاً: ألا يميز العالم العربي بين التوجهات السياسية المختلفة في الداخل، فيخلط بين النواب العرب والأحزاب من دون أن يدرس برامجها وتوجهاتها، أو أن يتعامل مع أعضاء الكنيست العرب بوصفهم نبتة واحدة، نبتت في الكنيست، بدل أن يتعامل معهم بوصفهم ممثلي برامج سياسية واضحة وشديدة الاختلاف ونبت بعضها خارج الكنيست. وثانياً: ألا يميز العالم العربي، بين نضالنا في الداخل، والنضال العسكري أو حتى السياسي للعالم العربي.
على حركات المقاومة في العالم العربي، أن تتفهم وتحترم استراتيجية النضال القومي للعرب في الداخل وأهدافه. ونحن نتوقع احتراماً متبادلاً واتفاقاً على قواعد الاحترام تلك. إنّ احترام استقلالية حركات المقاومة، هو جزء من احترام نضالها، كما أن احترام استقلالية الأحزاب في الداخل هو جزء من احترام نضالنا القومي. ولا نظن أنّ حركة مقاومة تقبل أن يعمل «التجمع» في وسط جمهورها بموجب برامجه السياسية وظروفه في الداخل.
ومن الطبيعي أن نربّي شبابنا في «التجمع» على برنامج هذا الحزب، وليس على أي برنامج سياسي آخر، ونحن نربي شبابنا على الالتزام الكامل ببرنامجنا وباستراتيجية نضالنا وبأهداف هذا النضال. ونحن نعتبر التزام شبابنا ببرنامجنا الشرط الأول لنجاح نضالنا. وعبر هذا البرنامج الواضح والمركب في الوقت نفسه، يتشرب شبابنا التضامن السياسي مع حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، لكنهم في الوقت نفسه، يتشربون أيضاً احترام الفرق الواضح بين طبيعة نشاطنا السياسي في ظروفنا المعروفة للجميع وطبيعة عمل المقاومة وظروفها.
* عضو في الكنيست الإسرائيلي عن حزب التجمع