تسعة أيام تفصل المتقدمين إلى اختصاص علوم اللغة والتواصل عن امتحان القبول الشفهي. للعام السابع على التوالي، أي منذ استحداث القسم حتى تحوّله هذا العام إلى مركز مستقل في الجامعة اللبنانية، تظل أعداد المنتسبين إليه قليلة، رغم ملاءمته لجيل التكنولوجيا ولسوق العمل
رنا حايك
«هدفنا أن نختار 35 طالباً على الأقل من أصل 100 متقدم للانتساب، لا أن نختار 25 من أصل 35 متقدماً كما يحدث منذ استحداث القسم. فهذا العلم هو الطريق إلى المستقبل، و90% من متخرّجينا ينجحون في إيجاد فرص عمل لهم». هذا ما قاله أستاذ الألسنية المعلوماتية في قسم اللغة والتواصل، غسان مراد، والذي تحوّل هذا العام إلى مركز مستقل بميزانية خاصة في الجامعة اللبنانية «ما يمنح القيّمين عليه حرية أكبر في التعامل الإداري» كما يضيف.
يستغرب مراد عزوفَ جيل يطلق عليه صفة «جيل الزابينغ»، نسبة إلى قدرته على متابعة برامج تلفزيونية عدة أو حتى معلوماتية على الكمبيوتر في الوقت عينه، عن التقدم إلى هذا الاختصاص. فمعظم الشباب أصبحوا اليوم متمرسين في استخدام الكمبيوتر وبرامجه ومواقع الإنترنت، حتى إنهم قد تجاوزوا أساتذتهم في هذا المجال، إضافة إلى ذلك، يمثّل هذا الاختصاص بوابة نحو مستقبل معلوماتي جامع، لأنه يعنى باللغة ومنطقها، بينما تمثّل التكنولوجيا 50% منه كما هي الحال في جميع الاختصاصات والمهن. وقد يكون هذا الحافز هو ذاته المعوق، فـ«لعل الطلاب يتخوّفون من وجود علوم ومنطق الرياضيات في اختصاص أدبي» كما يقول، لافتاً إلى أن رهان الأساتذة الأساسي يقع في هذه النقطة بالذات، أي «إظهار مدى ارتباط العلوم الإنسانية بعلوم المنطق وشرح الرياضيات للطلاب من دون «شربكة» الأرقام».
في الاختصاص المذكور، يدرس الطلاب «علم الأصوات العربية والعلوم اللغوية»، تجويد المقال، العلوم المعرفية، الصرف والنحو، الألسنية والعلوم الإنسانية، القواعد، التوثيق الإلكتروني، اللغة الفرنسية والإنكليزية، وأضيف إليهما العام الماضي اللغة الإيطالية، المعالجة الآلية للغات، علم الدلالة والسيمياء، إضافة إلى مواد أخرى تقع في صميم المؤهلات المطلوبة لمختلف الوظائف في سوق العمل. فالمتخرّجون قد يتابعون دراسات عليا في هذا المجال في الخارج، والمنح متوافرة في هذا المجال للمتفوّقين، أو قد يعملون لاحقاً أساتذة لغة، أو مسؤولين لغويين في مختبرات المعلوماتية للمدارس، أو مطوّري برامج كمبيوتر كتلك التي تعنى بالترجمة الآلية للغات والمعاجم الإلكترونية، أو في دور النشر أو في تنفيذ اللوازم التعليمية الممكنة (برامج التعليم عن بعد، ألعاب لغوية تثقيفية، التحميل الآلي للمحاضرات) كما في الصحافة (إعداد، توثيق، تدقيق لغوي، ابتكار برمجيات البحث الإعلامي) وإلى ما هنالك من مهن يمكن تلخيصها بـ«كل ما يتعلق بمجالي القراءة والكتابة»، كما يشير مراد.
فهذا الاختصاص يؤهّل الطلاب للاضطلاع بعملية فهم النصوص وتحليلها، وبناء برامج قد تستخدمها شركات أو أفراد أو أساتذة وتلاميذ في المدارس، كالبحث الذكي عن المعلومات. ويمنح المركز إجازة في الهندسة اللغوية المقارنة من خلال مسارين: هندسة تعلّم اللغات التي تسمح للطالب باستحداث برامج تفاعلية أو بالمعالجة الآلية للغات التي غالباً ما يستتبعها الطلاب بدراسات عليا في الخارج، وخصوصاً أن المركز يوفّر أيضاً ماستر مهنياً وبحثياً بعد نيل الإجازة.
يأسف مراد لعدم إقبال الطلاب على المركز «الفريد من نوعه في الشرق الأوسط، الذي يجب أن يمثّل واجهة للجامعة اللبنانية، لأنه يواكب التطور التقني في الغرب» كما يؤكد، لافتاً إلى قيمته المضافة، إذ إنه «يتماشى مع نظام LMD الذي استتبع تطبيقه مشاكل في كليات أخرى.


الانفتاح مفتاح التطور

هناك تغيّرات كبيرة تكنولوجية مقبلة ستؤثر على البنية الثقافية والاجتماعية لأي فرد. فماذا عن نشر الكتب على الإنترنت مثلاً؟ أو حتى عن استخدام الإشارات للتخاطب عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل القصيرة؟ لا يبدي أستاذ الألسنية المعلوماتية غسان مراد (الصورة) انزعاجه من هذا الأمر، لأنه «ألسني وليس قواعدياً»، كما يصف نفسه، وبالتالي فهو يتعامل مع اللغة بوصفها تلك الرائجة، المهم أن تُطوَّع لتؤدي وظيفتها فقط، لكن «علينا توجيه المعرفة وترتيبها في قنوات سليمة لخلق بنية فكرية صحيحة. وهذا أمر لا يقوم به العرب، فنحن نفتقر إلى الإنتاج الفكري، ونتلقّف المعرفة من الغرب بدل أن ننتجها» كما يقول، مؤكداً أن علوم اللغة والتواصل تقع في صميم هذا السياق، وتؤدي بذلك دوراً استشرافياً ممتازاً.