قاسم س. قاسم انتظرت أمهات شهداء ومفقودي مجزرة صبرا وشاتيلا أمس وصول وفد “الأجانب” الذي أتى من أوروبا، اليابان، وأميركا، لإحياء ذكرى المجزرة. تأخّر وفد “كي لا ننسى صبرا وشاتيلا” نصف ساعة عن موعد اللقاء في بيت أطفال الصمود في مخيم شاتيلا. استغلّت النسوة التأخير بتجهيز عدّة العمل من صور ومقتنيات تتعلق بأبنائهم. اللقاء ليس الأول للطرفين، فقد حضر أغلب أعضاء الوفد إلى لبنان خلال السنوات الماضية للتضامن مع الأهالي، الذين اعتادوا بدورهم هذه الإجراءات، وهم مستمرون في القيام بها حرصاً على ذاكرتهم، وأملاً في تحقيق عدالة يوماً ما.
نعمل لمنع مجزرة ثانية هي مجزرة محو الذاكرة
يصل أعضاء الوفد بعد جولة في المخيم “لرؤية الواقع الذي نعيشه”، تقول إحدى العاملات في المركز. يدخلون ويلقون التحية بلغة عربية “مكسّرة”. اللقاء كان حميماً، فأغلبهم يعرف أهالي الضحايا. هنا أم علي إدلبي تحيّي ستيفانيا، وهناك تقف أم جمال تقبّل إيلين. بدا المشهد مؤثراً لأنطونيو الذي يزور المخيم للمرة الأولى. يقف الرجل يتأمّل النسوة، يرفع نظّارته يمسح دمعته، ويقول “لم أكن أتخيّل أنّ ثمّة بقعة على الأرض يعيش فيها الناس بهذه الطريقة". آثار الصدمة التي بدت عليه لم تكن بسبب طبيعة الحياة فقط بل “لأن رؤية أهالي من قُتل أبناؤهم بطريقة بشعة تثير الهيبة في النفس”.
لحظات ويبدأ اللقاء رسمياً. يتحدّث عبد الناصر بالنيابة عن الأهالي شاكراً “الأجانب الذين أتوا للتضامن معنا”، منتقداً العرب الذين “تمنّيت لو رأيت أحداً منهم يأتي ليتضامن معنا”. يقاطعه صوت من بين الحضور: “أنا عربية، مغربية، مسلمة، جايّ أتضامن معاكم”. يشكرها على التوضيح ثم يتابع حديثه، مؤكداً مطلب الأهالي وهو “محاكمة من ارتكبوا هذه الجريمة ومعاقبتهم... وإذا لم نستطع محاكمتهم نطلب من الله أن يأخذ لنا حقنا”. ثم تحدثت الإيطالية ستيفانيا ليميتي باسم الوفد قائلةً إن “أصعب اللحظات هي عندما نلتقيكم، لأن الكلمات لا تستطيع التعبير عما يدور في خلدنا من محبة وتضامن”. تلتها شقيقة مؤسس اللجنة ستيفانوا كرنيني، التي تمنّت أن “يطيل الله أعمارنا كي نعمل على محاربة مجزرة ثانية تجري، وهي مجزرة الذاكرة التي يحاولون محوها”.
ينتهي اللقاء، يترك الجميع كراسيهم لالتقاط الصور مع أهالي الضحايا. يبقى رجل حاملاً صورة ابنه. يعرّف عن نفسه: “اسمي كمال معروف، وابني جمال يللي مش معروف إذا شهيد أو مفقود” يبتسم الإيطالي الذي لم يفهم شيئاً. يومئ له برأسه، ويشير إليه لمواجهة الكاميرا لالتقاط الصورة. ينظر إليك الرجل ويقول “27 سنة وأنا بحكي بإبني خليني ساكت اليوم أشرف إلي”.