محمد بنعزيز*«التطرف الإسلامي يبطئ الإصلاحات في المغرب»، هذا هو عنوان المقال الذي كتبته جريدة «نيويورك تايمز» الأميركية بتاريخ 26/ 08/ 2009. قالت الصحيفة إن ضغط الإسلاميين دفع الملك محمد السادس إلى إبطاء وتيرة التغيير، ونبّهت إلى أن الإبطاء مسّ إصلاح حقوق المرأة لتجنّب استفزاز المحافظين، وخاصة في العالم القروي، حيث يصطاد المتطرفون زبائنهم. وقد حذّر وزير الخارجية المغربي من تزايد التوجه نحو النغمة الإسلامية لدى الأطفال، بينما حصر مدير الاستخبارات تهديد المغرب في المدّين الشيعي والوهّابي، وكلاهما عنيف حسب السيد ياسين المنصوري.
الطريف هو أن أبلغ من تناول الخوف من الإسلاميين بعمق، ليس خصومهم، بل أحد المتعاطفين معهم، وهو وزير الأوقاف السابق عبد الكبير العلوي المدغري، وذلك في كتابه «الحكومة الملتحية، دراسة نقدية مستقبلية». يقول:
1 ـــــ يخاف الحداثيون اللائكيون الديموقراطيون والمجتمع المدني من الإكراه في عقيدة النظام الإسلامي. يخافون من صورة الحكومة الإسلامية الإرهابية وهي تلاحق رجال الفكر والفن والأدب والثقافة بسكين يقطر دماً. الحل الذي يقترحه المدغري للسلوك العدواني لدى الإسلاميين هو أن تكون الحكومة الملتحية مبدئياً ودستورياً ضد الإكراه الديني.
2 ـــــ يخافون من الجهاد، وخاصة أنه قد ظهرت جماعات إسلامية اتخذت الجهاد شعاراً ودعت إلى إحياء الفريضة الغائبة، وهي تأخذ بقول ابن تيمية «فمن عدل عن الكتاب قوّم بالحديد»، وهذه الجماعات تربي الشباب ليقوم بعمليات انتحارية في سبيل الله.
3 ـــــ يخافون أن تكون البلاد الإسلامية دار حرب لا دار عهد. فحسب الفقهاء لا ينبغي أن تزيد الهدنة على أربعة أشهر ليستريح الجيش الإسلامي، وبعدها يستمر الجهاد، وهو دعوة قهرية في بلاد الكفر، لأنه لا يجوز للمسلمين أن يتركوا الكفار على كفرهم. وهذا يقدم الإسلام بوجه عدواني إرهابي. يرى المدغري أن يراجَع فقه العهود وهو فقير، ويقترح ألا يقع الجهاد إلا بأمر من وليّ الأمر، ويضيف «وحيث إن ولاة الأمور اختاروا الهدنة الدائمة، فإنه لا بد من الطاعة والانضباط».
4 ـــــ يخافون من ثقافة التكفير ومن الاتهام بالردة: تبرّج وقُبل وخمر ورقص... هذا التحرر هو استهتار بالدين والأخلاق وانغماس في الرذيلة وتعدٍّ على حدود الله، بل فتنة وردّة حسب الجماعات الإسلامية. يقول المدغري «حكم المرتد في الفقه الإسلامي قاس جدّاً وخطير، لأنه حكم بالقتل من جهة، ولأنه لا يقتصر على تبديل الدين أو الشرك بالله والنطق بكلمة الكفر، بل يشمل جميع ما يدخل في حكم ذلك من الأقوال والأفعال»، ويرى في المقابل أن القرآن لا ذكر فيه لقتل المرتد.
هناك فقط قول ابن عباس: «من بدّل دينه فاقتلوه». وقد لام الكاتب الفقهاء لأنهم وسّعوا حكم الردة حتى صارت الجماعات الإرهابية تحكم بها وتقتل الناس لقول قالوه أو مقال كتبوه، وهذا برأيه مفسدة عظيمة. والملاحظ أن المدغري لا يعارض حدّ الردة، بل يرى قصره على تغيير الدين.
5 ـــــ يخافون من الاستعلاء الإيماني: يعي المسلم أنه وحده على

ستقلب الحكومة الإسلامية الطاولة على أصحابها أي البورجوازية المحلية

حق، لأنه ينتمي إلى خير أمة، قائده وإمامه هو الرسول، والمسلم عضو في حزب الله، ولهذا آثار نفسية عميقة. فالمسلم يحتقر بقية الأمم الضالة، وهو فقير يلبس قميصاً قصيراً وله لحية وينظر إلى بوش وبلير باحتقار لأنهما لن يدخلا الجنة. والمسلم يرفض موالاة الكافرين، وهذه الموالاة شديدة اليوم. ويسخر المدغري من زعماء الأحزاب المغربية الذين يقلّدون الفرنسيين، ومنهم من كان يقلّ!د السوفيات. ويشير الكاتب إلى جمعيات المجتمع المدني التي تتقاضى مساعدات من السفارات الأجنبية... ولا تهتم بما جاء في باب الولاء والبراء.
6 ـــــ يخافون من زعزعة النظام الاقتصادي القائم لفرض الاقتصاد الإسلامي: يقول المدغري «إذا كانت الحكومة الإسلامية ستتمسك لا محالة بنمط الاقتصاد الإسلامي، فإن في إمكان الجميع أن يتصور طبيعة المعارك والصراعات التي ستنشأ بين العالم الإسلامي، كقوة اقتصادية تملك البترول وغيره من الخيرات، وسائر القوى الاقتصادية العالمية». هذا على الصعيد الخارجي، أما على الصعيد الداخلي، فإن الحكومة الإسلامية لن تكتفي بالصلاة والصوم والحجاب واللحية، بل ستقلب الطاولة على أصحابها، أي البورجوازية المحلية، وستصادر الثروات لتعيد توزيعها، وسيكون هذا بمثابة زلزال.
7 ـــــ يخافون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان والسيف: وخاصة عندما ينتقل النهي عن المنكر إلى المجال السياسي، وينتهي الأمر بالخروج ضد السلطة التي لا تطبّق شرع الله، ويُشحن هذا الخروج بثقافة نضالية إسلامية شديدة. يقول المدغري «ومما زاد من خطورة هذه الثقافة النضالية أن الإسلام دين ودولة، وهذا يعني أن تغيير المنكر لا يقتصر على الجوانب الخلقية والعادات والأعراف والسلوك الاجتماعي للأفراد، بل يشمل نظام الدولة وسياستها والتشريع والاقتصاد وجميع الجوانب الضاربة في عمق السياسة».
8 ـــــ يخافون من تطبيق الشريعة: يقول المدغري «إقامة الحكومة الملتحية أو الإسلامية أصبحت تعني تطبيق الشريعة، وأصبح هذا التطبيق لا يعني سوى تطبيق الحدود وفرض الحجاب وإعلان الجهاد... قطع رأس القاتل قصاصاً، قطع يد السارق، رجم الزاني وجلد شارب الخمر وشاهد الزور». ستطبق الحكومة الإسلامية الشريعة، لكنّ النظام العالمي يعرقل ذلك. ثم إن تطبيق الشريعة سيقود إلى الاستغناء عن النخب الحالية، يقول المدغري: «ثم إن تطبيق الشريعة سيؤدي إلى تنحية رموز المجتمع المدني ومناضليه ومثقفيه، وإبعاد هذه الطبقة العريضة من الشباب العلماني التكوين، اللائكي الاقتناع، الذي يعدّ نفسه مسلماً غير ممارس». اللائكيون يعدّون تطبيق الشريعة رجوعاً إلى الوراء ومنعاً للحرية، يوضح المدغري «هناك مقاومة داخلية عنيفة لتطبيق الشريعة، وهي مقاومة من شأنها زعزعة الأرض تحت كراسي الحكومة الملتحية إن قدّر لها أن تأتي». وقد شاهدنا تطبيقاً لمقاومة نذر الحكومة الملتحية في الجزائر، فألغيت انتخابات 1991، تدخّل الجيش فانطلقت المجزرة.
بعد عرض المخاوف يلخّص المدغري المأزق:
تطبيق الشريعة هو مبرر وجود الحكومة الملتحية، هذا المبرر سيلقى مقاومة، فكيف ستتصرف الحكومة؟ لحل التناقض بين مبرر وجود الحكومة وعجزها عن تنفيذه، يقترح وزير الأوقاف السابق ألا يُلتزم حرفياً بالشريعة، بل «نستلهم نصوص الشريعة، لأن الحرج مرفوع». بعد كل الصراع القائم، هل يقبل الإسلاميون بهذه الخلطة لحل مشكل تباعد الواقع عن أصالة الشريعة؟ هل يغيَّر الواقع ليلائم الشريعة أم تغيَّر الشريعة لتلائم الواقع؟ الواقع صلب والشريعة مقدسة. اللائكيون يطالبون الإسلاميين المنفتحين بالاجتهاد لحل هذا الإشكال، يطالبونهم «بإحداث التغيير اللازم في النصوص حتى تتلاءم مع العصر».
من يجرؤ؟ لا أحد.
مخاوف المطالبين هي مخاوف الدولة التي يمسكون بمفاصلها، دولة بكامل قيافتها تخاف من جمعية ميكروسكوبية تريد تنظيم مسابقة لتجويد القرآن في رمضان. من حسن الحظ أن الخوف لا يقتصر على هؤلاء، لأن الحكومة الملتحية لن تتمكن هي الأخرى من السيطرة على كل الحركات الإسلامية التي تقاسمها الأدبيات والشعارات. فالطاقة النضالية التي تملأ قلوب شباب الصحوة الإسلامية ستملأ الساحة بالخوارج! سينقلب الشباب على قادتهم، وعليه لن تضمن الحكومة الملتحية لجم الجماعات الإسلامية المناوئة التي تزايد في النهي عن المنكر، وهذا سيقود إلى المجازر...
آخر درس تطبيقي دموي لهذه المخاوف جرى في غزة، عندما اكتشفت «حماس» في خندقها من يزايد عليها في إقامة شرع الله. مع تزايد مخاطر التديّن التعبوي، وأخذاً بالاعتبار للسبق المغربي في تصدير الانتحاريين إلى العراق، يبدو البطء المغربي المرحلي حكمة. فالمرجل يغلي، حتى لو بدا السطح ساجياً غروراً.
* صحافي مغربي