هل أصبح الأمن العام في دائرة استهداف “المغرضين” فتصيبه الشائعات، أم أن لا دخان بلا نار؟ بعد الدورة الأخيرة لتعيين مأمورين ومفتشين، كثر الحديث عن “وظائف للبيع في الأمن العام”، والأسوأ أن السماسرة ينشطون من دون حسيب أو رقيب
رضوان مرتضى
لم تكد مديرية الأمن العام تعلن حاجتها إلى تطويع مأمورين متمرنين ومفتشين درجة ثانية، حتى تهافت آلاف الراغبين بـ“موطئ قدم”، فتقديمات الوظيفة تعطيها صفة “وظيفة الأحلام” بنظر هؤلاء. لكن “واقع المحسوبية والمال” بدّد آمال الكثيرين، كيف ذلك؟ لقد تحوّلت الدورة، حسب عدد من المتقدمين، إلى مزاد يضمن وظيفة لمن يدفع أكثر. أُعلنت نتائج دورة المفتشين، أمّا الأسماء المختارة لوظيفة مأمور متمرن، فستعلن في وقت لاحق.
يكثر الحديث عن مبالغ مالية يدفعها آباء لضبّاط وشخصيات نافذة في الأمن العام، لحجز أماكن لأبنائهم في أحد طوابق المديرية. يروي أحمد (اسم مستعار)، لـ“الأخبار” أنه سيدفع عشرين ألف دولار ليضمن مستقبل ابنه. يقول أحمد: “دفعت لضابط كبير مبلغ سبعة آلاف دولار كدفعة أولى”، ويؤكد أنه اتفق معه على “تسديد” الدفعة الباقية بعد إعلان النتيجة و“نجاح” ابنه.
رغم علم أحمد بفداحة تصرّفه، لجهة تشجيع الفساد، فإنه يتكتّم على اسم الضابط، كما يقول خوفاً من أن يُخرِّب الأمر وتضيع فرصة توظيف الابن.
المبلغ الذي تحدّث عنه أحمد، هو الأكبر مقارنةً بالمبالغ التي قال آخرون إنهم دفعوها. فقد راوحت المبالغ المذكورة بين خمسة آلاف وخمسة عشر ألف دولار تُدفع لأحد الضباط، أو “السماسرة” الذين يدّعون أنهم على علاقة بضابط رفيع في المديرية. كما ذهب البعض إلى أبعد من ذلك، إذ جرى الحديث عن تقسيط المبلغ على دفعات.
الرواتب التي يحصل عليها المتطوع برتبة مفتش ومأمور لا تكفي لتسديد ما يُعتقد بأن “السماسرة” يتلقّونه، غير أن البعض قد يلمّح إلى أن الراتب قد لا يكون المصدر الوحيد للدخل بالنسبة إلى هؤلاء، فقد يمنّي أحدهم النفس بما تدرّه “خدمات داخلية” يحلم بأن يؤدّيها.
إن كان هناك دفع للأموال فذلك يعني أن هناك سماسرة يقبضون
من جهة أخرى، تتداول بعض وسائل الإعلام معلومات عن خلاف قائم بين المسؤولين المعنيّين بدورة المأمورين ومفتشي الأمن العام. بعض المعنيين يرغبون في إلغاء نتائج هذه الدورة لأسباب عدة، منها التفاوت الكبير بين العدد المطلوب والمرشحين، مما قد يسبّب إحراجاً للمراجع السياسية، فضلاً عن الإشكالات والوساطات التي سادت فترة الاختبار، إذ تتحدّث سهى (اسم مستعار)، وهي متقدمة فشلت في الاختبار الرياضي، عن زملاء لها كانوا يتّصلون بأهلهم فور انتهائهم من الاختبار، ليخبروهم أن “الضابط الفلاني أو المسؤول العلّاني قد صَدَقَ”، لأن مُمتحنهم حيّاهم بعد معرفة أسمائهم، وحمّلهم “سلامات إلى من أوصاه بهم”.
طلب الإلغاء الذي اقترحه البعض، قوبل بتمسّك المديرية العامة للأمن العام بإصدار النتائج لأسباب عديدة، أبرزها حاجة المديرية إلى عناصر ومفتشين بعد تقاعد عدد كبير من العاملين فيها.
في هذا الصدد علمت “الأخبار” من مسؤول سياسي أن ثمة اتصالاً أجراه رئيس الجمهورية بضابط كبير في المديرية العامة للأمن العام للاستفسار عن الكلام المتداول بحق المديرية، حيث طلب الرئيس من الضابط المذكور إلغاء إجراء اختبار التقدير للمرشحين، والاعتماد حصراً على نتيجة الامتحان الخطي في القبول، وذلك في مسعى منه إلى الحد من التلاعب وضبط النتائج.
وأفاد المسؤول أنه اتُّخذ إجراء يتضمّن تأليف ستّ لجان، حُدّدت مهمّاتها بالمراقبة والإشراف على حُسن سير الامتحانات. لكن متابع للقضية استغرب وجود بعض الضباط في لجنتين أو أكثر في الوقت ذاته، لافتاً إلى أن أحد الضباط تكرّر اسمه في أربع لجان في الوقت نفسه. ويشير المتابع إلى أن هؤلاء الضباط مقرّبون من مسؤول رفيع في الأمن العام، و“بعضهم من قريته”.
أبرز الأسماء التي عُيّنت في أكثر من لجنة هي النقيب ح. ز. والملازم هـ.ج.، الهدف من وراء وجود الأشخاص أنفسهم في أكثر من لجنة، حسب المتابعين، يمكن أن يسهّل عمليتي التلاعب والتزوير.
من اللجان الفاحصة: اللجنة العامة ومهمّتها الإشراف على جميع مراحل التطويع، ولجنة قبول الطلبات، ولجنة الاختبار الطبي، ولجنة الاختبار الرياضي، ولجنة الاختبار الخطي، إضافةً إلى لجنة التقديرات.
أما نتائج امتحانات دورة التطويع للمفتشين درجة ثانية، فقد صدرت منذ أيّام، حيث قُبل 250 متطوعاً، من بينهم 156 متطوّعة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه النتائج صدرت دون الأخذ باختبار لجنة التقديرات على غير ما جرت عليه العادة في الدورات السابقة، الأمر الذي يؤكد الكلام عن التلاعب، أو على الأقل يضيف علامة استفهام أخرى إلى سبب الاستبعاد.
من جهته، يؤكد مسؤول أمني رفيع في المؤسسة نزاهة العمل وشفافيته خلال الدورة الأخيرة للأمن العام، مضيفاً إنه لا يمكن أن تفوقها نزاهة أي دورة أو امتحانات أُجريت لاختيار مرشحين إلى وظيفة رسمية في الدولة اللبنانية، منذ عام 1943 حتى اليوم. ونفى نفياً حاسماً وقاطعاً الكلام على عمليات دفع مبالغ مالية للحصول على وظيفة في المديرية، وقال لـ“الأخبار”: “إن كان هناك دفع للأموال فذلك يعني أن هناك سماسرة يقبضون”، نافياً أي كلام على ضباط قبضوا أموالاً لإمرار اسم ما.
ورأى المسؤول الأمني أن السماسرة يستغلّون رغبة الناس في دخول أبنائهم إلى هذا الجهاز، ليبتزّوهم ويسرقوا منهم الأموال، لافتاً إلى أنه “إذا نجح المتقدم يقول السمسار أنا من نجّحه، ويقبض المال”، ويضيف “أما إذا رسب، فيتذرّع السمسار بتدخلات سياسية، ويعيد المال إلى دافعيه”.
من جهة ثانية، نفى المسؤول الأمني تأخير إعلان النتائج لأغراض محدّدة، لافتاً إلى أن الاختبارات صُحّحت بأيدي مصحّحين متخصّصين للتأكد من عدم وجود تزوير، واستغرب المسؤول ما أشيع عن تفضيله المتقدمين من أبناء قريته، لافتاً إلى أن هناك 15 شخصاً من قريته تقدّموا إلى الامتحان لكنهم رسبوا، إضافةً إلى قريبه الذي رسب في الاختبار.
أما سبب تمسّك المديرية العامة للأمن العام، وإصرارها على السير بهذه الدورة رغم الدعوات إلى إلغائها، فقد أعاده المسؤول الأمني إلى النقص الهائل في عدد عناصر المديرية، الأمر الذي لا يحتمل انتظار تأخير فتح دورة جديدة.


الأقربون ليسوا أولى بالمعروف

نشر موقع “ليبانون فايلز” أخيراً خبراً بعنوان “رئيس جهاز أمن يرسّب قريبه رافضاً مبدأ الواسطة”.
في المقابل، نفى ضابط في مديرية الأمن العام كل ما يشاع عن “مبالغ مالية تُدفع”، معتبراً أن “كل الأقاويل التي نُقلت بعيدة كل البعد عن المنطق”.
لكن الضابط لم ينفِ “حصول تجاوزات محدودة”، ليست بجديدة بحكم الواقع السياسي اللبناني على اعتبار المحاصصة بين الزعماء السياسيين في جميع الأجهزة.
لماذ أُلغي اختبار التقديرات؟ عن هذا السؤال يجيب الضابط بأنه اختبار شكلي للشخصية، مشيراً إلى أنها ليست المرّة الأولى التي يُلغى فيها هذا الاختبار تحديداً، فقد سبق أن أُلغي في امتحانات الضبّاط.
ورأى الضابط المذكور أن ما ينفي الكلام عن حصول تلاعب وقبض أموال هو نتيجة الاختبار التي أظهرت نجاح 160 فتاة من أصل 250 ناجحاً، فضلاً عن حجم المبالغ التي ذُُكرت. خاتماً بالقول إن “الشائعة دوماً سريعة الانتشار”.