عصير طازة»؟ لمَ لا في هذا الحر الذي ينهش بقايا المخيّلة. هي تظاهرة فنيّة يحييها مبدعون شباب وصبايا، على طريقتهم الخاصة، خارج الأطر الكلاسيكيّة المعهودة: جنون يبحث عن حيّز
هاني نعيم
عند مدخل art lounge، على كورنيش نهر بيروت، يستقبلك محمد، الذي يعصر الليمون «الطازة» للجميع، بابتسامة خفيفة.
تفتح الباب. تدخل، مع عشرات من الشباب والصبايا الذين أتوا للمعرض ليختبروا فنوناً معاصرة في فضاء واحد: فن تشكيلي، تصوير فوتوغرافي، رسوم تصويريّة، تصميم أزياء، وتجهيزات فيديو.
تأخذ جرعة برتقاليّة، ويبدأ دمك بالجريان السريع في شرايينك، بينما تبدأ جولتك في «المختبر» على إيقاع الموسيقى التي حاصرت المكان وزواياه. تتراوح أعمار الفنانين الاثني عشر المشاركين في المعرض بين 19 سنة و35 سنة، أكبرهم، وأغلبهم في عقدهم الثاني. العديد منهم متخرجو جامعة «البا»، وآخرون يدرسون في لندن، كما توضح ورقة التعريف عن المعرض.
وقد يتعرّف قرّاء مجلّة «السمندل» على بعض الرسّامين فيها من المشاركين في التنظيم مثل سينثيا مرهج، ساندرا غصن، وفؤاد مزهر. إضافة إلى الآخرين الذين لهم أعمالهم السابقة، ونشاطاتهم المعروفة في أوساطهم الخاصة.
شاركت المصوّرة الفوتوغرافية عليا هبري بـ6 صور متوسطة الحجم. صوّرت الاختلاف الثقافي بصورتين حملتا التناقض، وكانتا محط تعليقات الجمهور. امرأة مسلمة منقّبة تجلس على الأرض، والعدسة تلتقطها من فوق، تجاورها راهبة مسيحيّة، واقفة، تلتقطها العدسة من تحت. «اختلاف المقاييس، والجوهر واحد؟»، يسأل أحدهم.
أما سينثيا مرهج، فقد شاركت بثلاث لوحات كاريكاتوريّة. تقارب بإحداهنّ «الحقيقة» على طريقتها: «عندما تريد أن تطرح السؤال، عليك أن تستعد لتواجه الحقيقة». في البعيد، صبيّ يحاول التخفّي بين خطوط حمراء عريضة تشبه الجدار. تحضر ملامح الإنسان وفجاجتها في أعمال فؤاد مزهر، عبر 4 لوحات صغيرة الحجم. تفاصيل الوجه القاسية تطغى على المكان. عين كبيرة تحدّق بك، وأخرى أصغر منها، كأنها تتوعّدك بمستقبل قاس. «هو وجه الحداثة؟»، تسأل دون جواب.
أما الفم المتدلّي، من سقف الباطون، الذي تتلقفه أربعة رؤوس لصبايا وشباب، مرسومين دائرياً حوله، يحاولون توحيد أسنانهم.. وصوتهم، علّه يرتفع أكثر، فهو للفنانة ساندرا غصن.
في الانتقال بين أقسام المعرض، تلحظ تلفازاً يعرض عليه فيديو دائم، وبجانبه لوحتان و5 صور فوتوغرافية. هي أعمال الشاب جو بعقليني.
كنا نفكّر في معرض شبابي منوّع غير تقليدي
في إحدى اللوحتين، إنسان يمشي، ومنه تخرج 4 رؤوس موزّعة على جسده، بفوضويّة. أما الصور الفوتوغرافية، فحاولت التقاط اللحظة، وحفظها بكل عفويّتها، دون أي تعمّد يُلحظ.
بعيداً، 4 لوحات صغيرة بعضها فوق بعض، لرالف ضومط. في إحداهنّ، فرقة جاز تلعب موسيقى صامتة، وفوقها عبارة «رالف الأعمى ــــ فرقة جاز». الموسيقى مستمرّة مع بودا بار، و«وحش» غدي غصن لم يتوقّف عن ممارسة جنونه والانقضاض على المدينة، التي لم تستسلم، وترسل له الطائرات لتقضي عليه، دون جدوى. «أمارس جنوني باختصار» يعلّق غدي.
وقرب «جمهور من أهرام عصير الليمون»، ترتفع 5 لوحات كاريكاتوريّة لدافيد حبشي، تتناول كلها موضوعاً واحداً، «الليمون». يلعب على الكلمات وأحرفها، ليعرّي الواقع: يد طفل تحمل ليمونة، تنزل منها قطرة، تحمل عبارة فجّة «عصر عرص».
أما ما يمكن اعتباره «الأكثر استفزازاً» فهي أعمال جينو (GENO) شويري، أكبرهم سنّاً، التي تراوحت أعمالها بين الفن التشكيلي والتصويري (5 لوحات). قاربت الديانات الفرعونيّة من منظار مختلف. راهب مسيحي، تحيط به شمس صفراء، أما رأسه فهو عبارة عن رأس البومة. يجاوره رجل دين مسلم، لم يتسنَّ لنا معرفة طائفته، تعلوه عمامة، أما رأسه فهو شبيه برأس إحدى فصائل القطط، له ذقن طويلة.
في مقابلها، لوحة لأحد المرشحين. من الواضح أنه رجل أعمال. متأنق. ربطة عنق حمراء وقميص أزرق. وفي الخلفيّة علم لبنان، وفوقه عبارة «مرشح الطائفيّة». أما رأسه فهو رأس خنزير يشبه إلى حد بعيد رئيس «مزرعة الحيوانات» للكاتب الإنكليزي جورج أورويل. ذلك الخنزير الذي استغلّ أبناء جلدته ورفاقه، وجعلهم وقود صفقاته تحت اسم «الدفاع عن مصالحهم، وحمايتهم من الخطر الإنساني».
لم تحاول جينو أن تزيّن حالنا، بل جسّدت الواقع بكل قسوته، بعيداً عن الشعارات التي تنهش ملامح الناس. وسط الألوان والرسوم، كانت تيمي حايك تعرض ملابس أنثويّة من تصميمها على الجمهور.
بدأ تحضير هذا المعرض، منذ شهر تقريباً. إلا أن الفكرة كانت قد بدأت في لندن، قبل ستة أشهر تقريباً، بين جو وسينثيا، حيث يتخصصان هناك في الغرافيك ديزاين.
«كنا نفكّر في معرض شبابي منوّع غير تقليدي»، تقول سينثيا، لتضيف بحماسة: «نحن نرفض حصر الفن بالرسم التشكيلي. فهو تصويري، صور فوتوغرافية، فيديو، وفنون تجهيزيّة». وفي ما يتعلّق بالتجربة ككل يوضح جو «هؤلاء الشباب معروفون على الإنترنت عموماً، وبين أوساطهم، ولكن أردنا نقل التجربة لجمهور أوسع ليتعرّف عليهم، وعلى الفنون الحديثة، التي يستخف بها في لبنان، والتي تفتقد لحيّزها الخاص هنا». ويشير جو إلى أن «هذه الفنون بحاجة إلى من يبدع أكثر من حاجتها لمن ينقل الصورة، كما هي حال الفن التشكيلي».
تخرج من «المختبر»، وفي رأسك صور كثيرة، عن مستقبل هؤلاء في بلاد تحتكر الأفراد وتصنّفهم في مجموعات تحيا في إطار غالباً ما يكون طائفياً.


لكل عمر أدواته التعبيريةيبدو أن لكل عمر فنه، ولكل عصر مدرسته الفنيّة. هل هذا يعني انقطاع التواصل بين الأجيال؟ أم أن جمهور الفنون يتقلص يوماً بعد يوم؟