أجرت «الأخبار» لقاء مع أليكس بوراين رئيس كلية الحقوق في جامعة نيويورك ومناضل ضدّ النظام العنصري السابق في جنوب أفريقياأليكس بوراين مؤسس المركز الدولي للعدالة الانتقالية ورئيس مجلس إدارته، التقته «الأخبار» على هامش مؤتمر دولي عقد أمس في وزارة الخارجية الهولندية في لاهاي، وطرحت عليه الأسئلة الآتية:
ركّزت خلال إلقائك كلمة افتتاح هذا المؤتمر الدولي على أهمية ثقة المواطنين بمسار العدالة الدولية. مرّرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بموجب قرار صدر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بسبب تعذّر الإجماع اللبناني. كيف سيؤثر غياب ذلك الإجماع على عمل المحكمة؟
يجب أن تسعوا إلى المجتمع العادل قبل مطالبتكم بالعدالة الدولية
- أنا أعتقد أن عمل المحكمة لن ينجح إذا استمرّ تعذّر الإجماع اللبناني. صحيح أن نظام المحكمة وضع وأن مقرّها هنا في لاهاي. لكن إذا لم يقتنع الناس بها فلن تنفّذ القرارات التي تصدر عنها. إنها خلاصة قاسية، ولا أعتقد أن المحكمة ستنجح إلا إذا فتح نقاش واسع بشأن تعهّد الأشخاص في أرض الواقع احترامها. لقد شهدت على العديد من الحالات المشابهة لهذه الحالة: يناقش الناس ولا يتمّ الإجماع وتنشأ المحكمة رغم ذلك. وبالطبع لا تنجح المحكمة بسبب عدم اتفاق الفرقاء بخصوصها.
هل كان يجدر بالحكومة أن تتيح المجال لمزيد من النقاش قبل إحالة الأمر إلى مجلس الأمن؟
- نعم كان ينبغي إعطاء المزيد من الوقت. لكنني أفهم سبب الاستعجال. كان ينبغي التحلّي بالصبر للحصول على محكمة تتمتع بالدعم اللازم.
ركّزتم في كلمتكم على حقّ الضحايا بالعدالة. سقط في لبنان أكثر من ألف ضحية خلال صيف 2006، ولن تُنشأ محكمة دولية لهم. ألا تعتقدون أن العدالة الدولية انتقائية؟
- نعم، هذا صحيح أن العدالة الدولية انتقائية، وهذه مشكلة. لكنها أحياناً انتقائية لأن المحكمة لا تستطيع أن تحاكم جميع مرتكبي بعض الجرائم الكبرى. خذ مثلاً محاكم نورنبرغ، لم يحاكم جميع الضباط الألمان، والمثل نفسه ينطبق على محكمة رواندا الدولية حيث قتل نحو 800 ألف شخص وسجن 120 ألفاً تعسفياً، لكن اقتصرت المحاكمة على القادة.
لكن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لا تحاكم المسؤولين عن أفظع الجرائم التي ارتكبت أخيراً في لبنان والتي وقعت خلال صيف 2006 ويرى البعض أن المحاكم الدولية عاجزة عن محاكمة الدول القوية مثل إسرائيل.
- أنا أوافق على هذه الرؤية، السياسة تقوم بدور كبير. ولا أعتقد أن أحداً سيحاكم روسيا أو الصين أو إسرائيل، وهذا أمر مأسوي ويدلّ على انتقائية العدالة الدولية. وأعتقد أن على الضحايا وذويهم أن يضغطوا بقوّة للحصول على العدالة.
لكن ذلك يؤدي أحياناً إلى توتر بين ضحايا جرائم فظيعة لم يحصلوا على العدالة، وآخرين حصلوا على محكمة دولية...
- أعتقد أن الحلّ باللجوء إلى المحاكم الوطنية إذا كان ذلك ممكناً. يجب أن تعمل تلك المحاكم بالطريقة المناسبة، ويفترض إنشاء مؤسسات تعنى بالتعويضات والإصلاحات التي يستحقها الضحايا. هذا لا يحصل في العديد من الدول حيث المؤسسات ضعيفة والسياسيون منقسمون. وعندما يتدخّل المجتمع الدولي لا يجوز أن يكون ذلك لفرض العدالة، بل للمساعدة على تحقيقها. كما يفترض تحديد طبيعة الجرائم المقترفة، وإذا تبيّن أنها تمثّل تجاوزاً خطيراً لحقوق الإنسان ينبغي الاستماع إلى جميع الضحايا وعائلاتهم.
تحدّثت عن الفرق بين المطالبة بالعدالة من جهة وتحقيق المجتمع العادل من جهة أخرى. ماذا تقصد؟
- كثيرون يعتقدون أن العدالة تتحقق من خلال محكمة جنائية، إلا أن التوصل إلى المجتمع العادل يتطلب معالجة قضايا التمييز بين الناس والممارسات الاقتصادية الظالمة. لا يمكن أن يأكل الجياع مستنداً قضائياً. إن إقصاء الناس عن النظام الاقتصادي العالمي أمر غير عادل. فلكي تتحقق العدالة ينبغي إشراك الناس في التربية وتأمين المياه النظيفة والسكن والعمل والخدمات الصحية والمحاكم لهم. يجب أن يكون المجتمع العادل هو الهدف الأساس.
ع. ن