إنذار مبكر أطلقه الخريف، الذي أسهم في التعجيل بتكرار المشهد السنوي الذي اعتاده اللبنانيون. طرقات عامة غارقة بالسيول، وأضرار كبيرة بمحاصيل العنب والخضر. لتعيد العاصفة طرح الأسئلة المعتادة: لماذا لم تجرِ أعمال صيانة المجاري في مواعيدها؟ وإلى متى ستبقى مصلحة الأرصاد الجوية خارج السمع ولا تقدم معلوماتها بطريقة أوسع إلى الجمهور؟
بسام القنطار
كشف تساقط الأمطار فوق مختلف المناطق اللبنانية، فشل الأجهزة المعنية في أول اختبار شتوي لموسم الشتاء الذي لم يبدأ بعد. كالعادة، مع الشتاء الأول، تغرق الشوارع في المدن والقرى، ولا سيما في العاصمة بيروت في “شبر مي”، وتتحوّل إلى برك ومستنقعات نتيجة عدم إتمام عمليات الصيانة للأقنية، وانعدام وجود شبكات لتصريف المياه في بعض المناطق, وقد انعكس ذلك ارتباكاً غير مسبوق في حركة المرور، وخصوصاً أن مداخل العاصمة شهدت منذ ساعات الظهر تدفق السيارات العائدة من عطلة عيد الفطر.
وكانت الأمطار التي تساقطت بغزارة في عطلة نهاية الأسبوع وحتى ساعات صباح أمس، قد سبّبت سيولاً وجرف أتربة وتساقط جدران تأثرت بها الطرق العامة والفرعية في عدد من المناطق اللبنانية. وظهرت برك مياه تحت جسور الكولا، الحكمة في الأشرفية، العدلية، وفي منطقة قصقص وأرض جلول، وداخل نفق سليم سلام والنفق المؤدي إلى مطار بيروت، وعند مفترق عرمون ـــــ بشامون، ونزلة محطة الرحاب. كما سبّبت السيول جرف أتربة وحجارة على طريق عام عاريا. كذلك، سُجّل انهيار حائط مبنى قديم ومتداع في حي السريان في الأشرفية، ما أدى إلى تضرّر عدد من السيارات.
وكشف انحسار العاصفة أضراراً في المزروعات، وفي عدد من مزارع الدواجن والماشية، وخصوصاً في منطقة البترون، كما أدى انهيار الأتربة إلى قطع الطريق في منطقة الظهر في بشرّي وقطع طريق قنات ــ حردين في مزرعة بني صعب. وكانت مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في تل عمارة قد توجّهت إلى مزارعي الكرمة بالتنبّه من هطول الأمطار المتوقعة، والعمل على تغطية الكروم، وإلى جميع المزارعين بالاستعداد لأمطار غزيرة.
أمطار الخريف تزيد من مخاطر اندلاع حرائق الغابات
وأوضح أمين سر نقابة المزارعين في البقاع عمر الخطيب لـ“الأخبار”، أن أكثر المنتجات التي تتأثر سلباً بالأمطار الغزيرة في أوقات كهذه هي محاصيل العنب، إذ تُحدث المياه والجوّ البارد تشقّقات في حبيبات العناقيد، وهذا ما يؤدي الى إصابتها بعفونة، وبالتالي، يُلحق بأصحابها خسائر فادحة، بسبب إحجام التجّار عن شرائها تخوّفاً من صعوبة تصريفها.
كذلك فإن تساقط البرد في بعض مناطق البقاع، أدى إلى تضرر محاصيل البندورة والمقتي، وتمزّق وريقات الخسّ. ولفت عدد من المزارعين إلى أن هذه النبتة تصاب أيضاً بالصدأ نتيجة ما تحمله مياه الأمطار من رواسب ملوّثة من الجوّ عند أول شتوية، ما يضطر أصحابها إلى رشها بالمبيدات والمغذّيات للمساعدة على استكمال نموّها، إضافةً إلى إعادة ريّها بالمياه لإزالة ما خلّفته الرواسب.
وانطلاقاً من المثل الشعبي الذي يقول “الشتي الباكوري له حسنات وسيئات”، أفادت الأمطار العديد من المزروعات، وبالأخص محاصيل البطاطا “اللقّيس”، أي الموسم الذي يُزرع في منتصف الصيف، ويمتد إلى أول الخريف، إذ تساعد الأمطار المبكرة على التخفيف من أعباء تكاليف ريّ هذه النباتات، وخفض كمية المحروقات لتشغيل المعدات الزراعية، واستخراج المياه من الآبار الارتوازية، كما أن حببيات الزيتون تستفيد من الأمطار لاستكمال نموّها تمهيداً لبدء موسم القطاف منتصف الشهر المقبل.
تجدر الإشارة إلى أن أمطار الخريف لم تُلغ مخاطر اندلاع حرائق الغابات، لا بل زادت من احتمالها. فإذا شهد لبنان جوّاً حاراً مترافقاً مع سرعة في الرياح، فإن الأعشاب البرية سوف تكون مصدراً لغاز الميثان، الذي يساعد على اندلاع الحرائق، ويعدّ هذا النمط الإيكولوجي للغابات سبباً مهمّاً في اندلاع الحرائق في ظل غياب أنظمة مراقبة ميدانية وأجهزة إنذار، تخفّف من مخاطر انتشارها.
وتوقعت مصلحة الأرصاد الجوية في إدارة الطيران المدني أن يكون الجوّ اليوم قليل الغيوم من دون تعديل يُذكر في درجات الحرارة، فيما توقعت أن يكون جوّ الغد مشمساً إلى قليل الغيوم، مع ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة.
هذه النشرة المقتضبة التي تكتفي المصلحة بتوزيعها على وسائل الإعلام، تكشف هشاشة نظام التوقّع المناخي في لبنان وضعفه. ولقد حاولت “الأخبار” الاتصال بالمصلحة للحصول على المزيد من التوقعات لحال الجوّ، لكن هاتف المديرية العامة للطيران المدني كان خارج الخدمة بسبب عطلة العيد! وعلى عكس التوقعات التي قدّمتها مصلحة الأرصاد الجوية اللبنانية، توقعت خدمة الأرصاد الجوية الإسرائيلية أن تعاود درجات الحرارة الانخفاض غداً مع احتمال حصول أمطار متفرقة، على أن تعاود الارتفاع يوم الخميس المقبل.
ومن المعلوم أن لبنان يعاني غياباً لنظام الإنذار المبكر لتوخّي الحيطة من الظواهر الجوية المتوقعة. ويحتوي هذا النظام، المعتمد في غالبية الدول، على معلومات مراقبة الظواهر الجوية والتنبيه إلى حالة الرياح ومدى الرؤية الأفقية وحالة السحب، والتحذير من الظواهر الجوية الخطرة، كما يشمل رسائل بالهاتف الخلوي وبريداً صوتياً، إضافةً إلى نشرات إعلامية متعددة.
يضاف إلى ذلك أن لبنان ليس عضواً في برنامج الخدمات العالمية لمعلومات الجوّ، الذي تديره المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (راجع الأخبار العدد 11 أيلول الجاري). وتضم هذه الخدمة مؤسسات الأرصاد الجوية من 152 دولة، من بينها سوريا وإسرائيل، التي تتصل خدماتها المناخية المنشورة على مواقعها الإلكترونية بموقع مركزي يطوّر ويُدار بواسطة الأرصاد الجوية العمانية.
(شارك في التغطية: نقولا أبورجيلي ورامح حمية)