معتصم حمادة*سارعت القوى والشخصيات الفلسطينية إلى إرسال ردّها وملاحظاتها على الرؤية المصرية لحل الخلافات وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية في الحالة الفلسطينية. وحدها حركة حماس، كما يبدو، أعلنت نيتها تأجيل الرد إلى ما بعد عيد الفطر، من دون أن توضح أسباب ذلك، علماً بأن الجانب المصري رغب في الحصول على ردود القوى الفلسطينية لتتسنى له الدعوة إلى استئناف الحوار بعد العيد، وبحيث يوضع حد لحالة التشرذم الفلسطينية.
مراجعة ما جاء في الورقة تؤكد أن حجم الخلافات ما زال واسعاً، مع ملاحظة الآتي:
* إن حماس تشترط الاتفاق على كل شيء أو لا شيء.
* أن لا تجري الانتخابات إلا بعد الاتفاق على كل شيء.
* إن ولاية المجلس التشريعي الحالي تبقى قائمة إلى حين انتخاب مجلس تشريعي جديد.
ولعلّ في هذه المواقف الثلاثة أكثر من إشارة وأكثر من اتجاه.
* ما من أحد لا يرغب في أن يتفق الفلسطينيون على كل شيء. لأن في هذا الاتفاق مصلحة وطنية وقومية تعزيزاً للوضع الفلسطيني ولقدرته على مجابهة الاستحقاقات والتحديات في وقفة واحدة، وبقرار موحد، وخاصة أنها استحقاقات وتحديات خطيرة تمسّ حاضر الحالة الفلسطينية ومستقبلها، كتحديات الاستيطان وكيفية ترحيل المستوطنين، وتوفير الأساس المادي الضروري لقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، واستعادة القدس عاصمة لهذه الدولة، وضمان حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم. هذه الأعباء لا تتطلب وحدة داخلية فلسطينية صلبة فحسب، وتتطلب كذلك موقفاً عربياً صلباً داعماً للموقف الفلسطيني، وتتطلب موقفاً دولياً داعماً هو الآخر، تحت سقف قرارات الشرعية الدولية.
لكن الرغبات والطموحات شيء، والواقع الحقيقي شيء آخر. وما جاء في الورقة المصرية من رسم لمواقف الأطراف، يرسم في الوقت نفسه حقيقة الوضع القائم، ويرسم كذلك المسافة التي ما زالت تفصلنا بين هذا الواقع، وتلك الرغبات والطموحات الوطنية المشروعة، التي من الواجب العمل للوصول إليها والظفر بها، باعتبارها ضرورة وطنية ماسة.
وبالتالي إن اشتراط الاتفاق على كل شيء أو لا شيء، قد يبدو، في الوضع الحالي شيئاً من التعجيز، وخاصة إذا ما افتقر البعض إلى الإرادة السياسية الكفيلة بتجاوز العقبات والتنازل للالتقاء مع الآخرين في القواسم المشتركة. نسوق هذا الكلام، وفي البال، أن حماس وقفت وحدها خارج الموقف الوطني الموحّد، في حوار آذار/ مارس 2009 من مسألة اعتماد مبدأ التمثيل النسبي الكامل أساساً للانتخابات، كذلك وقفت وحدها خارج الموقف الوطني الموحّد في تحديد نسبة الحسم، ثم عادت في الحوار الثنائي مع فتح للانقلاب على الموقف الوطني الموحد، وأصرّت على النظام المختلط بديلاً للتمثيل النسبي الكامل. وهو ما ينبئ أن بإمكان أي طرف أن يعطّل الوصول إلى اتفاق شامل على كل شيء، وأن يعطّل 99% من الاتفاق الشامل إذا ما رفض في نهاية المطاف الموافقة على ما بقي، أي 1%، وهكذا تنسف قضية جزئية قد تكون بنسبة 1% من الملف ما نسبته 99%، وذلك تطبيقاً لمبدأ «كل شيء أو لا شيء».
فضلاً عن ذلك، فإن ما من ضمان أن يأخذ الاتفاق الشامل طريقه إلى التنفيذ. ويمكن، بعد الاتفاق، أن يقع الخلاف على تفسير ما اتُّفق عليه، وخاصة عند الدخول في التفاصيل ـــــ في التفاصيل تكمن الشياطين ـــــ الأمر الذي يتيح لأي كان أن يعطّل ما بقي من الاتفاق، حتى ولو لم يكن موضع خلاف. فضلاً عن أن تجربة «الاتفاق على كل شيء» ما زالت حتى الآن تحمل في طياتها علامات شك. ألم يقع اتفاق شامل وعلى كل شيء في وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني يوم 26/6/2006، فما هو مصير هذه الوثيقة، ولماذا ما زالت معلقة في الهواء لم ينفَّذ منها شيء، بل انقُلِب عليها، إذ نصت على مبدأ التمثيل النسبي الكامل في الانتخابات، بموافقة الجميع وبتواقيعهم. لكن هذه الموافقة وهذه التواقيع تبخرت عند حماس في حوار آذار (مارس) 2009 في القاهرة، وتبخرت عند حماس وفتح (معاً) في الحوارات الثنائية في القاهرة، لاحقاً لحوارات آذار. وها هي الورقة المصرية تتجاوز وثيقة الوفاق الوطني بالدعوة إلى النظام المختلط. لذلك يمكن القول إن الإصرار على «كل شيء أو لا شيء» قد لا يكون الهدف منه الاتفاق على كل شيء، بل قد يكون رفض كل شيء. وهنا الخطورة الواجب التنبه لها.
* ربطاً بما سبق، فإن القول بأن لا انتخابات قبل الاتفاق على كل شيء من شأنه أن يضع الانتخابات في مهبّ الريح. وواضح أنه لا يكفي الاتفاق على كل ما يتعلق بالانتخابات حتى نذهب إلى صندوق الاقتراع. بل يجب الاتفاق على باقي القضايا، مهما كانت جزئية. وبالتالي أن يُساوى بين ملف الانتخابات، على أهميته الاستراتيجية، وباقي الملفات، مهما كانت جزئية، وأن تُرهَن العملية الانتخابية، بقانونيتها ودستوريتها، بالوصول إلى اتفاق على قضايا أخرى، كلها أمور من شأنها أن تفتح الباب للعبث بالقوانين. وهنا يحضرنا كيف أن حماس تلجأ إلى القانون الأساسي

القول بأن لا انتخابات قبل الاتفاق على كل شيء من شأنه أن يضع الانتخابات في مهبّ الريح
للسلطة، إذا ما رأت في هذا القانون مصلحة خاصة بها، وتنسف هذا القانون، وتحتقره، إذا ما دعت مصلحتها الخاصة لذلك، ثم من قال إن الذهاب إلى صندوق الاقتراع يتطلب الاتفاق على كل شيء. ذهبت الحالة الفلسطينية إلى انتخابات 1996 وكان الخلاف السياسي على اتفاق أوسلو على أشده. وذهبت الحالة الفلسطينية إلى انتخابات البلديات (وشاركت بها حماس) وكانت الخلافات السياسية محتدمة جداً. وذهبت الحالة الفلسطينية إلى انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، ولم تكن الخلافات السياسية قد حلت بعد، وشاركت حماس في هذه الانتخابات من دون أن تشترط الاتفاق على القضايا جميعاً. هذا كله يؤكد أن الاتفاق السياسي المسبق ليس شرطاً للانتخابات. إذن، تضع حماس الحقيقة على رأسها، وتقلب المفاهيم السياسية رأساً على عقب، والغاية معروفة، وهو ما يكشفها الشرط الثالث الذي نأتي على ذكره تالياً.
* الشرط الثالث وقد أفصحت عنه حماس بالتأكيد أن ولاية المجلس التشريعي الحالي تبقى قائمة إلى أن يُنتخب مجلس تشريعي جديد. ولنا أن نتصور لو أن الخلاف امتد، وتعطلت الانتخابات. هذا يعني أننا أمام مجلس تشريعي مرشح لأن يدوم سنوات، وهو ما يخدم مصالح حماس لأنها هي التي تمسك بالأغلبية في هذا المجلس وتمسك برئاسة المجلس. ولأن منطقها يقول إنه إذا ما دعي لتأليف حكومة جديدة، فإن الأغلبية البرلمانية (أي حماس) هي التي يجب أن تؤلف هذه الحكومة.
الطريف في الأمر أن حماس لا تعترف بشرعية المجلس الوطني الفلسطيني ولا بلجنته التنفيذية، بذريعة أن ولاية هاتين المؤسستين قد انتهت. وهنا لا تطبّق حماس مقولتها عن المجلس التشريعي على المجلس الوطني وولايته. وهو ما يؤكد ازدواجية المعايير والمقاييس لدى حماس. فهي، على سبيل المثال ولأسباب لها علاقة بموازين القوى المختلة لغير مصلحتها، توافق على مبدأ التمثيل النسبي الكامل، وبدون نسبة حسم، لانتخاب المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج، وللسبب نفسه، ولأنها تعتقد أن ميزان القوى مختل لمصلحتها في انتخاب المجلس التشريعي فهي تتمسك بالنظام المختلط [60% نسبي و40% دوائر مع نسبة حسم عالية]. وهذا يؤكد أن حماس تقيس الأمور بمقياس خاص، فئوي، لا يمتّ إلى المصلحة الوطنية والقومية بصلة.
* عضو المكتب السياسي
للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين