ادعى طارق بنفسه لدى أحد المخافر، أن دكاناً سُرق بحضوره، ولم يستطع السكوت. أثبتت التحقيقات ضلوعه في الحادثة عينها، وفي غيرها، رغم أن المبلغ المسلوب كان قليلاًدخل طارق إلى مركز فصيلة الرملة البيضاء فجراً. كانت ملامح الخوف بادية على وجهه، وقد بلّلت مياه المطر ثيابه. ادّعى أنه أثناء وجوده داخل دكان لشراء علبة سجائر، دخل شخص ملثّم، بوشاح أسود وشهر مسدساً حربياً في وجهه، مخاطباً إياه وباسل، الذي يعمل في المحل بالقول: “ايديكم لفوق طلعوا المصاري أنت واياه”.
امتثل طارق للأمر. أعطاه مبلغ 20 ألف ليرة لبنانية، وهو المبلغ الذي كان في جيبه، وأخذ يحضّ العامل على إعطاء “المسلح” ما يملك من مال، خوفاً من فورة غضب، تؤدي إلى القتل. تقدم الرجل المقتحم نحو الصندوق، وأخذ منه مبلغ 45 ألف ليرة ثم فرّ هارباً. أشار طارق إلى باسل بأن يتقدم بادّعاء لدى القوى الأمنية، بشأن ما حصل، بيد أن الأخير رفض، عندئذٍ قرر هو أن يبادر إلى ذلك. بدا مغتاظاً من الحادثة وغير راغب في السكوت. باشرت القوى الأمنية تحقيقاتها في الأمر، فاستُدعي العامل ليدلي بإفادته. وهنا بدأت تظهر التناقضات. قال الأخير إن طارق اشترى منه علبة سجائر، ثم خرج ليتأكد ما إذا كانت العلبة الموجودة في السيارة تحتوي على سجائر. بعدئذٍ عاد وطلب علبة ثانية. وبالتزامن مع عودته، أي بعد دخوله إلى الدكان بلحظات قليلة، دخل الشخص الملثّم حاملاً المسدس علناً. لم يتكلّف عناء سحبه أصلاً. وأشار باسل في إفادته إلى أنه ارتاب من أمر طارق، فطلب منه مغادرة المكان، من دون أن يفُته أن يحفظ في ذاكرته رقم لوحة سيارة الأخير. لم يمنعه خوفه من ذلك.
ادعى المتهم أنه نقل رجل وامرأة الى الروشة بدافع «انساني»
تتابعت التحقيقات، وقد وجدت القوى الأمنية أثار رمل رطب في السيارة، على المقعد الموجود بجانب السائق، فتبيّن بعد البحث والتحري، أن طارق لم يكن وحيداً في السيارة. أنكر طارق، وهو المدعي، الأمر بدايةً، لكنه عاد واعترف بأنه نقل رجلاً وامرأة في طريقه من المنارة إلى الروشة بدافع “إنساني”. أقلّهما على مقربة من أحد المقاهي إلى منطقة ليست بعيدة. كذلك، نفى علاقته بعملية السطو والسلب التي حصلت، كما نفى أن يكون مقتحم المحل هو الشخص الذي نقله معه في السيارة، بل أكد أن الشخصين هما رجل وامرأة لا يعرفهما.
توسّعت القوى الأمنية في التحقيق. فتوصلت إلى أن طارق حاول قبل ذلك برفقة شخص مجهول، السطو على محل آخر، ولكن العملية لم تنجح، بحسب ما أكد صاحب المحل، الذي تعرض لمحاولة سطو حسبما جاء في إفادته. هكذا، أُوقف طارق لمدة ثلاثة أشهر قبل أن يُخلى سبيله بانتظار المحاكمة. أصبح المدعي متّهماً، وأُوقفت التحقيقات. وبعد أكثر من سنتين، حضرت وكيلة المتهم واعتذرت عن عدم حضوره، فقررت المحكمة قبول العذر تحت طائلة المحاكمة الغيابية، إذا تغيّب عن حضور الجلسة اللاحقة. وهذا ما حصل. خلصت المحكمة إلى أن المتهم “شريك في عملية السطو التي جرت بعد اتفاق مسبّق مع شخص آخر ظلّ مجهولاً. وأن مبادرته إلى تقديم الشكوى لدى القوى الأمنية، ليست إلّا حيلة لإبعاد الشبهات عنه، وخاصهً بعد ارتياب صاحب المحل منه”. وتأيّدت للمحكمة كل الوقائع المذكورة: بالتحقيقين الابتدائي والنهائي، وبإفادة الشاهدين في التحقيق الأوّلى، وتالياً بفرار المتهم ومدلول أقواله قبل ذلك وبمجمل أوراق الملف.
وبناءً على تلك المعطيات، حكمت محكمة الجنايات في بيروت، برئاسة القاضية هيلانة اسكندر، وعضوية المستشارين وليد القاضي وهاني عبد المنعم الحجّار، بتجريم المتهم وفقاً للمادة 639/640 من قانون العقوبات، أي بإنزال عقوبة السجن مع الأشغال الشاقة بحقه لمدة سبع سنوات. وكذلك حكمت بتجريده من حقوقه المدنية، ومنعه من التصرف بأمواله المنقولة وغير المنقولة، إضافةً إلى التأكيد على تنفيذ مذكّرة إلقاء القبض الصادرة بحقه “لكونه فاراً من وجه العدالة”، كما صدر الحكم غيابياً في بيروت، وأفُهم علناً بحضور ممثل النيابة العامة الاستئنافية.
م. ن.