سمية عليعندما نحلم لا نعي واقعنا، نمارس فعل الهرب. نعتمد اللامحدود مبدأً ونسير. بيوت أحلامنا أحجارها صغيرة، تسكنها الموسيقى والمطر. في تلك البيوت أصوات بعيدة وفرح افتراضي، فيها نختبئ ونصنع المستقبل. هناك في الهواء رائحة بيلسان، على الجدران صور الأحباء وفي المرايا شباب دائم. الحلم يعوّض عن الفشل، يلوّن رتابة يومياتنا، لا يقتصر على ما نريد بل على ما كنا نريد في يوم من الأيام. كلما كانت أحلامنا بعيدة، كلما ازدادت سحراً ولذة. أحلامنا ظلال خفية، سراب جميل، فيها البراءة والخبث على حد سواء.
بماذا حلم أطفال غزة قبل الرحيل؟ بصيف مشمس على شاطئ مدينتهم؟ بلوح الصف وابتسامات الأصدقاء؟ بلعبة لم يحصلوا عليها يوماً؟ أو بالنوم بعيداً عن أصوات القذائف والصواريخ؟ لا نملك مفاتيح بيوت أحلامهم، هي ملكهم كما فلسطين لهم.
بيوت المجانين أحلامهم. لا يغادرونها أبداً. ينظرون إلينا نحن الذين نعيش تحت وطأة الوقت ويضحكون. يسخرون من فوضى أنظمتنا ومن حروبنا الدائمة. يضحكون لاستسلامنا. يرموننا بوابل من الهذيان ويضحكون.
يقتات الفقراء على أحلامهم. يمضغونها ويتلذذون بها فتصمت بطونهم الفارغة. في كثير من الأحيان تستحيل الأحلام بيوتاً يأوي إليها المشردون، تعطيهم الدفء والأمان وجرعة من الأمل لغد أفضل.
هل يحلم الموتى؟ ربما يحلمون بمغادرة قبورهم، ربما بالعبث مع الأحياء، بزيارة مقهى قديم، بالرقص، بالحب، بالنوم قرب أحدهم، بالحياة. بيوت أحلامهم يسكنها الماضي بكلّ تفاصيله وذكرياته.