رمم ميشال كنعان سجن النساء القديم في صور وحوّله إلى فندق ومطعم، ويسعى إلى نشر منحوتات تمثل عادات المدينة على كلّ المستديرات فيها
صور ـــ آمال خليل
قد لا يعلم من سيرتاد المطعم البحري عند كورنيش صور الغربي (الخراب) المقرر افتتاحه بعد أسابيع، شيئاً عن السجل التاريخي للمبنى الذي يشغله. خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، مرّ الآلاف قربه، إما لم يلتفتوا إلى البيت التراثي المهجور أو غضوا الطرف وأشاحوا بنظرهم نحو البحر. فالكثيرون من مدينة صور ومحيطها لا يزالون يربطون البيت بـ«عذابات» النساء. فباستثناء السنوات القليلة التي أقام فيه مالكوه بعد تشييده في بداية القرن العشرين، «تشتت» البيت لاحقاً بين غايات استخدامه المتنوعة. إذ استخدم سجناً للنساء لسنوات في منتصف القرن المنصرم، ثم حُوّل قسم منه إلى عيادة للولادة، قبل أن تخليه القابلة القانونية، فيقفله مالكوه ويهجروه قبل 15 عاماً.
إذا كان تاريخ البيت وحجارته الرملية يعكسان لدى البعض إهمالاً أو انزعاجاً، فإنّ الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى مهندس الديكور الداخلي ميشال كنعان (26 عاماً) أو «الفنان الخلاق» كما يصفه البعض. فالشاب الحديث العهد بفن العمارة والديكور والتصميم، لم يرض بأن يكون الإهمال «النهاية المأساوية لهذا البيت الذي يمثل جزءاً من التراث والهوية اللبنانيين». ولأنّ تاريخه «كان حزيناً وجدرانه شهدت على الكثير من الآلام والعزلة»، وجد الشاب أنّ «تحويل السجن إلى فندق ومطعم سيكون مصدر فرح وتواصل بين الناس».
«السجن الفندق» ليس أولى خطوات ميشال التغييرية أو آخرها في مدينته
في مخيلة ميشال أصبح السجن واحة للحياة ولو بدل مقابل مادي. فقد حرص على بثّ الألوان الزاهية في كلّ زاوية من سجن النساء السابق، وخصوصاً السقف الذي حوّله بريشته إلى سماء زرقاء صافية تحلق فيها العصافير.
يثق ميشال بالنجاح المنتظر للمشروع، مثلما يثق بنفسه وبقدرته. بدليل أنّ الغرف الأربع في الفندق، التي تشكل الطابق العلوي فوق المطعم، قد حجزها مسبقاً، قبل إنجازها، جنود وموظفون في قيادة اليونيفيل. لكنّ مصدر سعادة ميشال ليست بسبب «الإقبال الذي سيشهده وحسب، بل بسبب الحركة الاقتصادية والسياحية والشعبية التي سيبثها في منطقة الخراب». إذ جرى تأهيل الواجهة البحرية للمنطقة وأعيد ترتيب الرصيف، لكنّها لم تشهد، حتى الآن، استثماراً منظماً لموقعها، باستثناء لجوء الكثير من الموظفين الدوليين وأسر جنود اليونيفيل والسياح إلى استئجار غرف في بعض البيوت.
لكنّ «السجن الفندق» ليس أولى خطوات ميشال التغييرية في مدينته صور ولا آخرها. فالشاب الذي درس هندسة الديكور الداخلي في جامعة الروح القدس في الكسليك، جعل إعادة ترميم «بيت المملوك» مشروع تخرجه قبل خمس سنوات. لم يجد في البيت الذي حوّله مشروع الإرث الثقافي مقراً للندوات والمعارض فحسب، بل جمع مدينة صور في البيت. فوزع على غرف الطابقين مقاهي الصيادين وزوارقهم وشباكهم ومنامة للسياح ومتحفاً عن تاريخ صور.
لميشال نظرة أخرى في ترميم القديم، إذ يجد أنّ معظم مشاريع تأهيل الأبنية التراثية وترميمها في المدينة «لم تحافظ على هويتها السابقة، بل أسقطت عليها ألواناً وديكورات جديدة محت ملامحها القديمة. فلم يعد الزائر ينتبه إلى أن بيت المملوك أو بيت بارود على سبيل المثال يعود تاريخ بنائهما إلى القرن التاسع عشر».
يقرّ الفنان المتحمس بأنّ «الواسطة تحكم البلد وهي التي توزع المشاريع الهندسية لهذا الفريق أو ذاك». لكنّه كان ليقبل بها «لو أنّها أتت بثمار طيبة في مشاريع عدة في صور وخارجها». إلا أنّه لا يفقد الأمل ويصب اهتمامه في مشروعه «الحلم» الذي لا يزال قيد الدرس ولا يزاحمه فيه أحد. إذ اقترح ميشال على المجلس البلدي في صور أن ينفذ منحوتات وتماثيل تبرز تاريخ المدينة وتراثها يرفعها عند كلّ مستديرة في المدينة، ليس المهم أن تحمل اسمه بل الأهم أن «تحفظ الهوية المندثرة لصور».