خالد صاغيةطيلة شهر رمضان، حوّل الناس كورنيش بحر بيروت إلى مساحة حرية عامة. جاؤوا مع عائلاتهم وأصدقائهم، حملوا أراكيلهم وكراسيهم والحُصر، وألعاباً صغيرة، وآلات موسيقيّة، وامتدّ سهرهم حتّى ساعات متأخّرة.
كانت وجوههم لا تدلّ على ثراء أو يسر مادي، لكن كانت علامات الفرح ظاهرة عليهم.
وفي مكان غير بعيد من هؤلاء، كانت أسطح المباني والحانات المحيطة تعجّ بالساهرين الذين لم يثنِهم شهر الصيام عن متابعة حياة اللهو. كانت الموسيقى تصدح عالياً في سماء بيروت التي بدأ المطر الخفيف يكسر حياءها.
لم يبدُ ليل بيروت مكترثاً لغياب الحكومة. لم تعكّر صفوه أزمة التكليف والتأليف وأبطالها ذوو الوجوه الكئيبة. أولئك الساهرون لم يشاهدوا نشرات الأخبار قبل المضيّ لممارسة الفرح. وإن شاهدوها، فلم تزدهم إلا إصراراً على الحياة.
ماذا يمكن الحكومة أن تضيف إلى حياة هؤلاء؟ ربّما كان بيع غزل البنات على الشاطئ سيتعرّض للمنع لكونه نشاطاً اقتصادياً غير خاضع للضريبة. حالة من البيع والشراء تُدخل الفرح إلى قلوب الأطفال وتمنع الجوع عن الباعة، لكنّها لا تدخل فلساً إلى الخزينة. ألم تعمد قوى الأمن الداخلي ذات مرّة إلى رمي درّاجات بائعي الكعك في البحر؟
ماذا يمكن الحكومة أن تضيف إلى حياة هؤلاء؟ ربّما كانت ستمنع الغناء على الكورنيش. فوحدهم مطربو شركات الاحتكار يحقّ لهم الغناء على الشاشات وفي القاعات وعلى الأرصفة.
ماذا يمكن الحكومة أن تضيف إلى حياة هؤلاء؟ مزيداً من رفع أسعار الفحم والتنباك، ومزيداً من فقدان الوظائف، ومزيداً من القهر الذي يقضي على بؤر الفرح في حدقات العيون.
بالطبع، لم تكن بيروت كلّها على موعد مع السهر. فثمّة من لا يملكون حتّى ترف التنزّه على رصيف البحر. أولئك، هم أيضاً، لا ينتظرون الحكومة ولا ينتظرون شيئاً من الحكومة. أولئك هم من ضحايا الحكومات المتعاقبة. ويخجل المرء من القول إنّهم كانوا ضحايا مرحلة السلم الأهلي الذي سدّ في وجههم مداخيل غير منظورة، ودفّعهم ثمن التزامهم بمقرّرات دولة القانون. تلك الدولة التي أعيد بناؤها على أنقاض حياة هؤلاء تحديداً. على أنقاض فرحهم الذي غادرهم بعيداً.