قاسم س. قاسم تنبئك الروائح الكريهة المنبعثة من المكان، إضافة إلى أصوات احتجاج الأهالي، أنك وصلت إلى المنطقة «المنكوبة». فالوصول إلى ساحة منطقة جورة التراشحة بحاجة لتجهيزات خاصة، من نوع انتعال «جزمات» بلاستيك لتفادي وصول مياه الصرف الصحي «الطايفة» إلى قدميك، و«كمامات» لجعل التنفس ممكناً. أبناء المنطقة اعتادوا مرغمين على هذا الوضع، فسنوات ثلاث مرت على هذه المشكلة المزمنة. يجلس بعض أبناء المنطقة في الساحة، وكأنهم بانتظار شخص ما. يجلس أحدهم بالشورت القصير، فترمقه سيدة من المخيم المحافظ، بنظرة اشمئزاز. يلحظ الشاب نظرتها فيبادرها بالقول «بعتذر منك يا خالتي مش لابس، كنّا عم نفتح المجرور». يقول لها ذلك وهو يريها قدميه ويديه التي اسودت من نفايات المجرور، دليلاً على صدق كلامه. فجأة يصرخ أحد الشبان «وصلوا». الأشخاص المُنتظرين كانوا كلاً من مدير المنطقة الوسطى والبقاع في الأونروا محمد خالد يرافقه مدير المخيم بهاء حسون. وقد وصل خالد المخيم بعد تلقيه اتصالات من الأهالي ومسؤولي الفصائل مطالبين إياه بالحضور لمعاينة الأضرار بأم عينه.
تنظر الأونروا بعين الرضى إلى التعاون بينها وبين أبناء المخيم
تدخل سيارة الرجل من باب المخيم. يركض الأهالي نحوه، يمسكون كل بدوره بيده، يأخذونه إلى منازلهم: «شايف يا أستاذ، شايف المجاري وين صارت، كلّها ببيوتنا». يصرخ عوض، وهو أحد الشبان الذين كانوا يجلسون في الساحة، وهو يشير للمياه داخل منزله: «شوف». يسير خالد في شوارع المنطقة لمعاينة الأضرار، يسأل عن موظفي الأونروا وعمّا فعلوه لمساعدة الأهالي. تخرج إحدى النسوة تمسك الرجل تشده إلى باب منزلها. تشرح له «شايف برغم من الحجارة على باب البيت فات الوسخ علينا». يقف الرجل صامتاً، يعدها بالخير ويرحل. بعد جولته، يقصد خالد والأهالي منزل أمين سر اللجنة الشعبية ـــــ منظمة التحرير حسني أبو طاقة. يكتظ منزل الرجل بالمسؤولين والمواطنين، وكل يحاول أن يشرح تفاصيل التفاصيل عن مشكلتهم الجماعية وتصورهم للحل. يطالب المجتمعون بخطة طوارئ لحل المشكلة ولو مؤقتاً، عبر التعاون بينهم وبين الأونروا لدى طوفان الجورة. توافق الأونروا فيتولى هيثم أبو عرب العمل على تأليف فريق من أبناء المخيم سيقوم بالعمل. لكن يبقى السؤال عن المشروع الذي «وعدونا به منذ العام الماضي»، كما يقول أحد الحاضرين. يشرح خالد تفاصيل المشكلة التي تواجه الأونروا وأن التأخير هو بسبب عدم وصول الأموال من السوق الأوروبية المشتركة. يقنع الجواب الأهالي، وخصوصاً أنه «لو ما بدهم يشتغلوا ما بيجي مدير المنطقة من البقاع ليشوف الأضرار»، كما علق أحدهم. وأمس، عمل موظفو الأونروا والأهالي على فتح شبكة مياه الصرف الصحي وتنظيفها تحضيراً للشتوة المتوقعة قريباً. أما خالد فقال لـ«الأخبار» في اتصال هاتفي إنه يرى بعين الرضى التعاون بين الطرفين و«التشجيع على الشراكة بين أبناء المخيم والأونروا». من جهتها طالبت اللجنة الشعبية ــــ تحالف القوى الأونروا بالعمل على التعويض على أبناء منطقة جورة التراشحة الذين تضرروا من الطوفان المستمر للجورة الصحية.