محمد نزالأراد يوسف دفع بعض الرسوم المستحقّة عليه للدولة، أراد أن يكون مواطناً صالحاً، وأن يؤدّي واجباته كاملة. ذهب إلى الدوائر العقارية لتسوية وضع منزله القانوني، باعتبار أن ثمّة مخالفات تستوجب هذا، ولدفع ما ترتّب عليه جراء ذلك. هناك، عانى من البيروقراطية المتفشّية في تلك الدوائر، ولا سيما أنه غير ملمّ أصلاً بكيفية إتمام المعاملات اللازمة. وبالتالي، بات صيداً سهلاً للمتربّصين بالكثيرين من أمثاله. تعرّف هناك إلى خليل (اسم مستعار). وعده بتسوية المعاملات بدلاً منه، بعدما أكّد له خبرته في هذا المجال، في مقابل مبلغ من المال يأخذه، عبارة عن بدل أتعاب. وبالفعل، تمكّن خليل بعد أيام قليلة من الاستحصال على رخصة أشغال كان قد طلبها منه يوسف. كذلك، استحصل لعدد من جيران الأخير على سندات تمليك بأسمائهم، بعدما أخبرهم يوسف بقدرة خليل على إتمام تلك المعاملات بسهولة، وبأنه خبير في هذا الشأن.
مضت أيام قبل أن يتقدّم يوسف من بلدية بيروت، بطلب تصديق رخصة الأشغال العائدة إلى منزله الذي يقيم فيه. راجع العاملون في البلدية المستندات والسجلات المتعلقة بالعقار المذكور، فتبيّن لهم أن الرخصة التي بحوزة يوسف مزيّفة، باعتبار أن التواقيع المنسوبة إلى مهندسي البلدية، إضافةً إلى توقيع محافظ بيروت، غير صادرة عنهم. عرف يوسف حينها، ومعه عدد من مالكي الشقق، أنهم قد “ضُحك عليهم”، وأنهم وقعوا في فخّ خليل، الذي زوّر لهم كل تلك المعاملات والرخص، قبل أن يتوارى عن الأنظار.
وفّرت الوقائع للمحكمة الاقتناع الكافي بتزوير المتهم أوراقاً رسمية
اتخذت البلدية صفة الادّعاء الشخصي على خليل. طلب وكيلها مبلغ 100 ألف دولار أميركي بدل عطل وضرر، فيما بقي المتهم متوارياً، فجرت محاكمته بالصورة الغيابية. وفي القانون، وفّرت الوقائع المذكورة للمحكمة “الاقتناع الكافي حول إقدام المتهم على تزوير رخصة أشغال صادرة عن بلدية (وهي إدارة رسمية)”. كما وفّرت الوقائع والأدلة أن المتهم استعمل الرخصة المزيّفة، من خلال إبرازها أمام المراجع الرسمية للاستحصال على سندات التمليك، “مما يوفّر بحقه عناصر جنائية إضافية”. وبناءً على المعطيات الواردة، حكمت محكمة الجنايات في بيروت برئاسة القاضي حاتم ماضي، وعضوية المستشارين كارول غنطوس وهاني الحبّال، بتجريم المتهم بجنايتي المواد 459 وَ 454/459 من قانون العقوبات، أي بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة الموقّتة بحقه لمدة خمس سنوات، في كل من الموادّ الجنائية المذكورة. وأشارت المحكمة في حكمها إلى إدغام العقوبتين سنداً للمادة 205 عقوبات، بحيث تنفّذ بحق المتهم إحداهما لتساويهما، إضافةً إلى تجريده من حقوقه المدنية، ومنعه من التصرف بأمواله المنقولة وغير المنقولة، وتعيين رئيس قلم المحكمة قيّماً عليها، فضلاً عن التأكيد على إنفاذ مذكّرة إلقاء القبض الصادرة بحقه، وإتلاف المستند المزيّف. من ناحية أخرى، تضمن الحكم إلزاماً للمتهم بدفع مبلغ عشرة ملايين ليرة لبنانية للمدعية الشخصية ـــــ بلدية بيروت، كعطل وضرر. إضافةً إلى تدريكه كل الرسوم والنفقات. صدر الحكم في بيروت غيابياً بحق المتهم، ووجاهياً بحق المدّعية، وأُفهم علناً بحضور ممثل النيابة العامة.