وفشلت غرينبيس في إدخال سفينة «راينبو واريور» التابعة لها إلى المياه اللبنانية. ربما السر وراء عدم موافقة الدولة اللبنانية على اقتراب السفينة من الشاطئ اللبناني يكمن في هدف الزيارة، وهو إجراء مسح علمي لواقع البحر الذي تحول إلى سلة مهملات كبيرة. مصدر في غرينبيس كشف لـ«الأخبار» عن وجود شكوك لدى منظمته حول «المنع». وتحفّظ على المبرر الذي قدمته الجهات الرسمية: الروتين. بسام القنطار
كان من المقرّر أن تختتم سفينة «راينبو واريور» التابعة لمنظمة غرينبيس جولتها المتوسطية في زيارة لبنان للقيام بتوثيق تحت الماء لأهم المواقع الساحلية ضمن حملة «دفاعاً عن متوسطنا». إلا أن سبباً ما حال دون ذلك، وفشلت جهود المنظمة الدولية، ولا سيما مع وزير الداخلية زياد بارود، في تجاوز العراقيل الإدارية التي تخفي، في ما يبدو، أسباباً سياسية وأمنية وبيئية.
وكان مقرراً أن يبدأ برنامج السفينة أمس في مرفأ بيروت، وأن تبقى في لبنان اثني عشر يوماً، تتخللها نشاطات عدة. والزيارة ضمن جولة متوسطية بدأتها من إسبانيا مبحرةً إلى كلِّ من إيطاليا، فرنسا، اليونان، تركيا وأخيراً، كما كان مقرراً، لبنان. وتطالب غرينبيس من خلال هذه الجولة بتحويل 40 في المئة من مياه المتوسّط الى شبكة محميّات بحريّة، تساعد في حماية المواقع الحيوية للأجناس البحرية كلها وتتيح الفرصة لاسترداد نسبة تكاثر الأسماك التي أفرط في صيدها.
وتوقع خبراء وناشطون بيئيون لبنانيّون أن تطرح سفينة غرينبيس أسئلة أساسية متعلقة بعمل هذه المنظمة الدولية في لبنان خلال السنوات الماضية، وعن سلم الأولويات الذي تنطلق منه، وكيفية اختيار قضاياها. ومن اللافت أن غرينبيس لم تقم منذ نحو 3 سنوات إلا بحملة محددة تطالب بمحميات بحرية على الشاطئ اللبناني، دون الانخراط في أو التأسيس لحملات أخرى، على غرار ما فعلت في السابق في ملف محارق النفايات الطبية وملف إدارة النفايات المنزلية الصلبة ونفايات المصانع الكيميائية والطاقة البديلة. ولم تشارك أيضاً لبنانياً في الأنشطة المتعلقة بتغير المناخ، رغم أن الملف يعتبر أساسياً في عمل منظمة على المستوى الدولي. وتعرضت المنظمة لنقد شديد إثر قرار إغلاق مكتبها في بيروت خلال فترة حرب تموز ٢٠٠٦، رغم أنها قامت لاحقاً بدراسة أثر الانسكاب النفطي الناتج من قصف الجيش الإسرائيلي لمعمل الجية الحراري، حيث قامت «راينبو واريور» بأخذ صور تحت الماء في مناطق عدّة، منها قرب معمل الجيّة، كذلك ساعدت في أخذ عينات المحار في عامي ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧ لرصد آثار التسرّب النفطي على البيئة البحرية.
ورغم أن المنظمة تفاخر بإنجازها المسح العلمي والإطار القانوني لإنشاء محمية بحرية في جبيل، وتسليم مسودة مرسوم إنشاء هذه المحمية إلى وزير البيئة طوني كرم في أيار الماضي، إلا أن البرودة التي أبداها الوزير كرم تجاه المشروع، تضع علامة استفهام حقيقية حول مصير هذا المشروع الذي روّجت له المنظمة على نطاق واسع إعلامياً وأهلياً، كما حرصت على إشراك المجلس البلدي لمدينة جبيل وتعاونية الصيادين في كامل مراحله التحضيرية، إلا انها غفلت عن أن وزارة الأشغال العامة والنقل هي الجهة الصالحة للتوقيع على إنشاء المحمية، كون الأملاك البحرية تدخل في نطاق صلاحياتها. ولقد استتبعت هذه الدعسة الناقصة، بخطوة غير مفهومة لوزير البيئة، الذي سارع الى إعلان إنشاء محمية بحرية في.. البترون، ربما لاعتبارات انتخابية في المدينة التي كانت تشهد معركة بين العونيين والقوات اللبنانية، وقد تجاهل تماماً اقتراح محمية جبيل. لا بل إن الوزير ذهب بعيداً في انتقاد المنظمة وذلك في دردشة صحافية على متن سفينة قانا التابعة لمجلس البحوث العلمية، حيث اتهم الوزير القواتي غرينبيس بأنها تراعي المصالح الإسرائيلية!
وتنفذ سفينة قانا، حالياً مهمة مشابهة لتلك التي ستبدأها «راينبو واريور»، ولكن في نقطة محددة قبالة شاطئ سلعاتا، حيث تجري دراسة تتقصى فيها التلوث الذي يسببه رمي نفايات مصنع كيماويات سلعاتا المرابط قبالة الشاطئ.
وقد تعرضت هذه الدراسة، التي جاءت بناءً على طلب من الوزير كرم، لنقد شديد لكونها موّلت من قبل.. شركة كيماويات سلعاتا نفسها، المفترض أن يشتمل الفحص تلويثها للبحر بالفوسفوجيبس
العراقيل الإدارية
تخفي أسباباً سياسية وأمنية وبيئية

الفوسفور والكبريت والرصاص والكاديميوم وغيرها من المواد والإشعاعات التي تنتج منها.
وينتظر أن يعلن مجلس البحوث العلمية نتائج هذه الدراسة، لنستطيع تقويم حياديتها، علماً بأن دراسات سابقة أظهرت ارتفاعاً تعجز الآلات عن قياسه، في معدل الفوسفات والنيترات في مياه البحر قبالة سلعاتا مقارنة بالنسب العالمية.
وكانت المسؤولة الإعلامية الإقليمية لغرينبيس، يشيم أسلان، قد أجرت تقويماً سريعاً لواقع المنظمة في لبنان، بعد تغيّرات عدة طالت طاقمها الإداري. كما حرصت أسلان على استطلاع آراء الإعلاميين بأداء المنظمة. وتشير اسلان إلى أن مكتب لبنان سوف يتابع في المرحلة المقبلة إطلاق مشروع شبكة من المحميات البحرية الساحلية على الساحل اللبناني، بالتنسيق مع المكتب الإقليمي لغرينبيس في تركيا. وكانت سفينة «راينبو واريور» قد اعترضت في اليوم الخامس لإبحارها قبالة الشاطئ التركي في أزمير على المتاجرة بأسماك التونة.
وتشير المسؤولة الإعلامية في غرينبيس ـــــ لبنان، رئيفة مكّي، إلى أن المسح العلمي والتوثيق الشامل تحت الماء لأهم المواقع الساحلية الذي كان مقرراً أن ينفذه طاقم السفينة، بهدف تحديد أهم المواقع لتوثيقها من جانب غرينبيس ودراستها في ما بعد، ومن ثمّ المطالبة بتحويلها إلى محميات بحرية.
ولأن سفينة «راينبو واريور» التي كان موعد دخولها مرفأ بيروت أمس، مرتبطة بمواعيد محددة، قرر المشرفون عليها، بعد فشلها في الحصول على ترخيص لدخول المياه اللبنانية، تحويل مسارها وإلغاء زيارة لبنان، بحسب بيان وزعته غرينبيس ليل أمس.