اكتشف بعض مزارعي دير الأحمر وبوداي أن العصفر نبتة ناجحة تخفي بين ثناياها الشوكية حبّات تنتج زيتاً نباتياً، فازدهرت زراعتها منذ خمس سنوات في المنطقة، إلّا أنها ما زالت تفتقر إلى اهتمام الدولة والأسواق التصريفية
البقاع ــ رامح حمية
إنه موسم الحصاد. ليس حصاد القمح والشعير بل العصفر Carthamus Tinctorius، تلك النبتة البرية الشوكية التي تلاءمت زراعتها والأراضي الجافة في سهول بلدات دير الأحمر وبوداي، فأينعت بذوراً أشبه بالقمح والشعير، بينما احتوت على الغلّة الكافية من أفخر أنواع الزيوت النباتية المستخرجة على البارد. فمنذ أربع سنوات تمكّنت كلية الزراعة في الجامعة الأميركية بالتعاون مع مصلحة الأبحاث الزراعية، من إجراء دراسات وأبحاث على 12 صنفاً من بذور العصفر ومحتوياتها، جرى خلالها اختيار الصنف الأفضل لاستخراج الزيت. ويعدّ البروفسور سوي كيونغ ياو، المحاضر في كلية الزراعة في الجامعة الأميركية، أحد الأشخاص الذين سعوا إلى توسعة هذه الزراعة كزراعة شتوية مكمّلة للزراعات الأخرى، لا تختلف كثيراً من حيث الزراعة عن القمح والشعير، ويمكن هذه النبتة أن تعيش في الأراضي المهمّشة من سهل البقاع، ويكفيها الري مرتين خلال فصل الربيع، وفي الفترة التي تكون المياه لا تزال متوافرة فيها.
السيدة دنيا الخوري، رئيسة رابطة سيدات دير الأحمر، أكدت لـ«الأخبار» أن البروفسور ياو تواصل بين عامي 2004 و 2005 مع بعض التعاونيات الزراعية والجمعيات الأهلية في المنطقة، ومنها رابطة سيدات دير الأحمر، ومع بعض المزارعين في دير الأحمر وبوداي، الذين أبدوا استعداداً لزراعة هذا الصنف من العصفر كحقول تجريبية، ونجحوا في ذلك. أضافت الخوري إنه بعد نجاح هذه الزراعة، تقدمت رابطة سيدات دير الأحمر من السفارة الكندية في بيروت باقتراح مشروع خاص لتمويل الرابطة بمبلغ يغطي تكاليف شراء ماكينة لاستخراج الزيت من العصفر، تكون مجهّزة بالفلتر المناسب لذلك. وافقت السفارة، وتمكنت الرابطة من شراء الآلة، لتكون النتيجة، كما تقول الخوري «نحن ننتج منفردين حالياً زيت العصفر، الذي أثبتت الدراسات والفحوص المخبرية أنه مفيد لشرايين القلب، ويخفض نسبة الكوليسترول غير المفيد في الجسم». وكشفت أن الرابطة «تقدمت بطلب من صندوق البيئة في لبنان، الممول من المؤسسة الألمانية GTZ، من أجل توسعة المساحات المزروعة بنبتة العصفر، وبالطريقة العضوية التي لا تُستعمل فيها الكيماويات والمبيدات، للحصول على زيت العصفر العضوي».
وعلى الرغم من اعتماد بعض المزارعين، منذ عام 2005، على زراعة العصفر، إلا أن هذه الزراعة لا تزال تمارَس ضمن إطار ضيّق ومحدود، إذ تقتصر زراعتها حالياً على عدد من مزارعي دير الأحمر وبوداي، لسبب أساسي يتخوّف منه المزارعون، وهو «عدم وجود سوق للتصريف، وإلا فهي زراعة ناجحة، ويمكن الاعتماد عليها»، كما يؤكد المزارع نسيم جريج. يزرع جريج العصفر منذ أربع سنوات مع ابن عمه (30 إلى 40 دونماً)، ويقول: «صحيح أنها نبتة شوكية إلّا أنها تحمل حبّات بيضاء يمكن عصرها وإنتاج الزيت منها»، مؤكداً أنه في المنزل يستعمل زيت العصفر بدلاً من زيت دوّار الشمس لأنه مفيد أكثر صحيّاً، ولذيذ الطعم». ويعترف بأن مشكلة التصريف هي حالة عامة لا تتعلق بالعصفر فقط، فهي «تعاني كما غيرها من الزراعات في البقاع، مشكلة التصريف، إذ يغيب اهتمام الدولة»، كما يقول. ويوضح أن «الاهتمام والعمل اللذين تقدّمانهما رابطة سيدات دير الأحمر إلينا، بدءاً من المساعدة في حصاده، وصولاً إلى عصره في الآلة الموجودة لديهم، وتأمين سوق تصريف للإنتاج، هما السبب الرئيسي الذي سمح لنا بالاستمرار».
وتؤكد ريما برقاشي، من رابطة سيدات دير الأحمر، والمسؤولة عن تسلّم العصفر وعصره، أن موسم العصفر لهذا العام جيد، وأنهم كرابطة سيبدأون كما في كل عام بتسلّم الإنتاج من المزارعين بغية عصره لهم في الآلة الموجودة لديهم في المركز، لقاء بدل رمزي هو 500 ليرة للكيلو غرام الواحد، كما ويؤمّنون لهم السوق التصريفية من خلال المعارض التي يشاركون فيها. كذلك، تلفت برقاشي إلى أن كل 12 كيلو غراماً من العصفر تعطي 4 كيلو غرامات من الزيت العكر = 3 كيلو غرامات زيت عصفر صافياً». وتؤكد أننا، كرابطة، «ننفرد بهذه الزراعة التصنيعية في البقاع، فضلاً عن كلية الزراعة في الجامعة الأميركية في حوش سنيد». وتشير إلى أن «مزارعين جنوبيين حضروا العام الماضي إلى دير الأحمر وأخذوا إرشادات بشأن طريقة زراعة العصفر، وأحضروا هذا العام إنتاجهم بغية عصره في المركز». وتفصح برقاشي أن الرابطة تسعى إلى فتح أسواق خارجية في أميركا وبعض الدول العربية، وخاصةً أن العصفر كزراعة لا يزال غير ممارس في بعض تلك الدول كسوريا والأردن.