مبنى قصر عدل النبطية سيخلع أخيراً حلّته البالية، ويتخلّص من شوائب البناء والمحيط الأمني غير الموثوق به. فالمراحيض فيه سيّئة، والنشّ يتسرّب من الجدران والسقوف في الغرف طيلة أيام السنة. القصر سيُرمّم، ويشهد ورشة إصلاح إداري
النبطية ـ كامل جابر
للمرة الأولى منذ إنشاء قصر العدل في النبطية عام 1992، يطلق الرئيس الأول لمحاكم النبطية القاضي برنار شويري ورشتين متوازيتين؛ الأولى تتمثّل في إصلاح إداري ووظيفي، والثانية في ورشة إصلاح في المبنى تخفّف العبء عن المواطنين أصحاب القضايا والموظّفين. أفضت الورشة الأولى إلى حصر دوام الموظفين وضبطه، مع تنظيم الكثير من الأمور الإدارية، واستخدام الهاتف ضمن الأطر الوظيفية.
“الإصلاح يبدأ من الموظفين على قاعدة احترام الناس، والحفاظ على سمعة العدلية. ويأتي تركيزنا على مسألة الدوام بما يحقق روحية الوظيفة، التي جُعلت من أجل خدمة الناس وقضاياهم. وصار بإمكان قاصد المبنى أو المتصل خلال الدوام الرسمي أن يجد ضالّته في أي مكان أو مكتب من أمكنة قصر العدل ومكاتبه في النبطية”، بحسب الرئيس الأول شويري.
حملة الرئيس الأول بدأت من محيط المبنى، من خلال إزالة النفايات التي كانت تطوّقه، “وأنا أذكر تماماً ما كتبته الأخبار، وما زلت أحتفظ بالعدد الذي أشار إلى النفايات التي تحوط المبنى، وما يشوبه من خلل. النفايات أزيلت تماماً، ونُجري اتصالات ونتابع بعض الإجراءات القانونية من أجل إزالة بعض بقايا السيارات التي يقع عليها فعل الحجز في قضايا ما منذ عدة سنوات، بعد إقفال ملفاتها”، يقول شويري.
المبنى يعاني عدة نواقص، فالمراحيض “كانت سيّئة جداً لا تليق بالعامّة من الناس، الذين قد يُضطرون إلى انتظار أدوارهم عدة ساعات خلال المحاكمات، وقد يكون بعضهم مرضى، فكيف نبرّر لهذا المواطن عدم وجود مراحيض؟ لذلك نرى أهمية تأهيلها وإعدادها لتكون مفتوحة أمام الجميع، ومنها بدأت حملة تأهيل المبنى من خلال مساهمات عديدة، تمثلت بتوفير مبلغ 40 مليون ليرة من مجلس الجنوب، ومبلغ 20 مليون ليرة من اتحاد بلديات الشقيف، ونتابع اتصالاتنا في هذا الخصوص مع العديد من المرجعيات الرسمية والمحلية، بالطبع بعد موافقة وزارة العدل”، والكلام للمحامي رفيق حمدان.
يعوّل القاضي شويري على خطوة تعزيز شبكة الإنترنت في مبنى قصر العدل في النبطية
الخطة التالية من الورشة الفنية تتضمّن التمديدات الكهربائية، وخصوصاً أن الأسلاك تتدلّى من السقوف والجدران على نحو يمثّل خطر اندلاع حرائق. على خط موازٍ، “نسعى إلى توفير شبكة للتبريد والتدفئة، وتمديد شبكة داخلية للإنترنت، وشبكة اتصالات هاتفية “سنترال”، وخصوصاً أن الاتصالات الهاتفية تجري بطريقة بدائية، إضافةً إلى أجهزة إنذار أمنية متطوّرة وكاميرات مراقبة. وخلال شهرين، نكون قد قطعنا شوطاً أساسيّاً في الأمور الفنية، التي ستواكب الترتيبات الإدارية، وصار بإمكاننا تلقّي المعاملات وإصدار الأحكام بطريقة سلسة وتلقائية”، يقول الرئيس شويري ويردف: “ولمواكبة التطوّر، نجري اتصالات مع جهات معروفة في المنطقة من أجل مساعدتنا على تدريب الموظفين على استخدام أجهزة الكمبيوتر، وتعلّم اللغة الإنكليزية، ما يؤهّلهم لدورات إدارية لاحقة تجري بالتنسق مع وزارة العدل، وهذا من شأنه تعزيز معرفة الموظف وثقافته وإعداده لمواكبة التطور التكنولوجي المرتقب، إن لم يكن اليوم، فحتماً غداً، وقد يكون قصر عدل النبطية الشرارة على طريق تطوير القضاء عبر الإنترنت والحاسوب”.
يعوّل القاضي شويري على خطوة تعزيز شبكة الإنترنت في مبنى قصر العدل في النبطيّة، “لأنها حتماً ستساعدنا على حصر الملفات وترتيبها، وتمكّننا من الدخول إليها ساعة نشاء، والاطّلاع على الأحكام والقضايا وجعلها في متناولنا السريع”.
إضافة إلى المراحيض التي تعدّ وتهيّأ من النقطة الصفر، والتي كشفت عملية تأهيلها بعض مصادر النشّ في المبنى، سيجري طلي الجدران والسقوف من الداخل والخارج، وخصوصاً في قاعتَي المحاكم، وفي النظارة المحكومة بضيق المكان والبناء الذي لم يكن أصلاً يلحظ في خرائطه الأولى وجود نظارة. والنظارة الحالية التي تبلغ مساحتها حوالى 55 متراً مربعاً حلّت مكان غرفتَي الأرشيف والمكننة، واستخدم مخفر قصر العدل غرفتين موازيتين للحرس والحماية، ما بدّد مع توسيع غرف المحامين مساحة 150 متراً مربّعاً من إجمالي المبنى، “لذلك باتت الحاجة ملحّة إلى إنشاء طابقين إضافيّين يؤهّلان المبنى لأن يكون فعلاً قصراً للعدلية على الأقل 15 سنة نحو الأمام. وبدلاً من مبنى ومحاكم تتّسع لنحو 17 قاضياً، يصبح بالإمكان استقطاب ثلاثين قاضياً يغطّون محافظة النبطية بأكملها، وخصوصاً أن هذه المنطقة تستحق قصراً عدلياً يليق بها، إذ إن خرائط السرايا الحكومية المنوي بناؤها في المستقبل القريب لا تلحظ طابقاً للعدلية، وما جرى لحظه هو قاعات للمحاكم الشرعية مع سجن للنساء وآخر للرجال. نحن نعدّ الدراسات اللازمة بالتنسيق مع وزارة العدل، ويمكن أن نسقف مؤقتاً بعض المساحات بالقرميد ريثما نتخذ القرار بزيادة البناء”، يقول شويري، ويضيف: “على مستوى الموظفين، صار بإمكان الناس الاتصال أو القدوم في أي وقت من الأوقات، والعثور على من يستجيب لمتطلّباتهم أو احتياجاتهم القضائية، ولم يعد يسجّل أيّ غياب قضائي. وأنا شخصياً أداوم ستة أيام، وإن اضطررت يوم الأربعاء إلى أن أكون في الوزارة أو في بيروت، فأستعيض عن ذلك بدوام يوم الأحد. بدأنا بتحسين الأداء والتدريب والتطوير، ونراهن بعد ذلك على حسّ الناس واستجابتهم. الأداء الإداري والوظيفي صار جديّاً وجيّداً؛ الجداول موجودة، والأحكام تصدر تباعاً وفي مواقيتها. كان هناك حوالى 80 ملفاً متأخّراً، حرّرنا 17 منها، وفي المدة القريبة لن يبقى ملف عالقاً. ولجهة القضاة، لدينا مجموعة ممتازة، وسيلمس الناس مدى التطوّر اللاحق بقصر عدل النبطية، خلال سنة من اليوم. نحن غير راضين عن التجهيزات، وعن ضيق مساحات غرف الموظفين، لكن نسعى إلى حلحلة الأمور شيئاً فشيئاً. نحن بدأنا، ونظن أن من سيأتي بعدنا سيتابع الطريق، حتماً، نحو الأفضل”.


عن المبنى الذي كان يزداد سوءاً...

تناولت “الأخبار” وضع قصر العدل في النبطية في العدد 33 في 20 أيلول 2006، ثم في العدد 613 في 29 آب 2008. روى معظم الموظفين فيه أن أوضاع المبنى والغرف تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وقال بعضهم إن المبنى «نشأ على أرض لبلدية النبطية، ولم تعمل وزارة العدل على ضمّه إلى أملاكها، وبالتالي لا شيء يُلزمها بالصيانة والترميم والتأهيل، لأنه غير موجود في سجلّات الوزارة والمباني الحكومية». معاناة الموظفين كانت كبيرة، بعضهم كان ينتظر خلوّ كرسي ليجلس عليه، الإنارة الكاملة لم تكن تدخل إلى جميع الغرف، والمراحيض كانت تتعطّل مع انقطاع المياه عن المبنى.
النفايات كانت مرميّة قرب القصر، وقد تحولت المساحة التي تحتلها مرتعاً للحشرات والقطط والكلاب الشاردة. بعد سنوات من العمل في هذا المبنى، تبيّن أن موقف السيارات، وجزءاً أساسياً من الطريق المؤدية إليه، هما في أملاك خاصة، ادّعى أصحابها على الجهات البانية، مطالبين باسترداد ما لهم من حق في الأرض. وكان وزير العدل السابق شارل رزق قد وعد بإطلاق ورشة لإصلاح بعض قصور العدل وترميمها... لكن وعده لم يرَ النور.