محمد نزالسمع نادر (اسم مستعار) صوت موسيقى صاخبة يأتي من الخارج، فأزعجه الأمر. أطلّ من شرفة منزله في منطقة الأشرفية ـــــ بيروت، فاكتشف أن الموسيقى تصدر من شقة في المبنى المجاور لمنزله. نادى جيرانه الذين كانوا يحتفلون بعيد ميلاد ابنتهم، وطلب منهم خفض صوت الموسيقى. ردّت عليه سيدة المنزل وأجابته برفض طلبه قائلة «إننا نقيم حفلة». نزل نادر إلى الشارع وقطع التيار الكهربائي عن بيت جاره. خرجت سيدة المنزل مستكشفة الأمر، فرأته واقفاً في الشارع، فحصل جدال بينهما. ورد في وقائع التحقيق الذي استندت إليه المحكمة، أن نادر راح يكيل الشتائم لزوجة جاره وابنتيه. عندئذ هبّ وسيم إبراهيم لنصرة خالته (أي سيدة المنزل حيث كانت تُقام الحفلة)، فنزل مع شقيقه إلى الشارع وتوجه نحو نادر. ارتدّ الأخير إلى الخلف لناحية منزله، فانهال عليه وسيم وشقيقه وآخرون بالضرب، ما أدى إلى إصابته بجروح وكدمات، بحسب ما أثبت تقرير الطبيب الشرعي.
اعترف نادر بإطلاق النار من مسدس حربي غير مرخّص
غاب «الجريح» عن الأنظار لدقائق، ثم ظهر وهو يحمل مسدساً بيده. شاهده وسيم فصرخ في وجهه قائلاً «إذا زلمي بتقوّص». عندها، صوّب نادر مسدسه باتجاه وسيم، وأطلق منه عدّة طلقات نارية، فأصابته ثلاث رصاصات، اخترقت إحداها الجهة اليسرى من الصدر. وقع وسيم أرضاً، إثر نزف حاد عانى منه، ما أدّى إلى وفاته فوراً، بحسب تقرير الطبيب الشرعي. استمرّ نادر بإطلاق النار، مصوّباً باتجاه شقيق وسيم، فأصابه برصاصة اخترقت البطن، ما استوجب إخضاعه لعملية جراحية استُؤصل خلالها جزء من الأمعاء وأوقف النزف الداخلي.
في التحقيق، اعترف نادر بإطلاق النار من مسدس حربي غير مرخّص نتيجة تعرّضه لاعتداء، وأفاد بأن القتيل وشقيقه كانا يحاولان اقتحام باب مدخل المبنى حيث يقطن. بيد أن التحقيق الميداني الذي أجرته القوى الأمنية بيّن أن القتيل كان ممدّداً على الرصيف، ويبعد عن المدخل حوالى 3 أمتار، فيما كان شقيقه الجريح ممدّداً في وسط الشارع.
تقدم المتهم بواسطة وكيله بطلب إجراء فحص نفسي على يد اختصاصي. حصل الأمر، وصدر تقرير خلص إلى أن نادر يعاني من اضطرابات الشخصية «الزورية»، بمعنى أنه يتمتع بالوعي والإدراك، غير أنه يحلّل الأمور وفقاً لمعطياته الذاتية التي قد لا تتوافق مع معطيات الواقع، ويقوم بإصدار أحكام مسبقة تتعلق بتصرفات ونيّات الآخرين، ما يولّد لديه شعوراً بالاضطهاد ويصير سريع الانفعال ومفرطاً في ردود فعله.
أحيل التقرير إلى المحكمة، فرأت فيه أن «الحالة النفسانية للمتهم، في ظلّ تمتعه بالوعي والإدراك، لا تمثّل حائلاً دون مساءلته جزائياً عن الأفعال الجرمية المرتكبة من قبله». لكن، نظراً إلى ظروف القضية وإسقاط الحق الشخصي من قبل المدّعين، إضافة إلى الظروف النفسية للمتهم، فإن المحكمة رأت «منحه الأسباب التخفيفية التقديرية». في القانون، حكمت محكمة جنايات بيروت، برئاسة القاضي حاتم ماضي، وعضوية المستشارين كارول غنطوس وهاني الحبّال، بتجريم المتهم بالجناية المنصوص عنها في المادة 547 عقوبات، أي بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤقته به لمدة 15 سنة، وخفضها إلى 4 سنوات، تخفيفاً تقديرياً سنداً للمادة 253 عقوبات، على أن تحسب له مدة توقيفه الاحتياطي.