طرابلس ــ إيلي حنالم تكتفِ منطقتا باب التبّانة وجبل محسن بواقعهما الأمني القابل للانفجار في أي لحظة وببؤس حال قاطنيهما الاقتصادي، لتضاف إليهما معاناة ما بعدها معاناة في ما يتعلق بمياه الشرب، وخاصةً في أشهر الصيف وأيام الجفاف. تعاني أغلبية أحياء باب التبانة وجبل محسن شحّاً في مياه الشرب، إذ لا تصل هذه المياه إلا في ساعات متأخرة جداً من الليل. فيما تُستثنى بعض الأحياء من هذا الشحّ فلا تسجّل انقطاعاً للمياه، حيث تحتاج هذه المياه في النهار إلى مولّدات كي تصل إلى المنازل، أما بحلول الليل، فإن هذه “المنازل الواقفة على خطوط المياه” كما يسمّيها الأهالي، تصلها المياه دون حاجة إلى المولّدات بسبب إقفال المحال أبوابها في هذه الفترة فتصل بسهولة إلى الطبقات العلويّة.
بالعودة إلى “الأكثرية المغلوب على أمرها”، فقد اعتادت نمط حياة جديداً يعتمد الاستيقاظ ما بعد منتصف الليل بانتظار وصول مياه الشرب التي أصبحت ضيفاً عزيزاً في الساعات المتأخرة. فما برحت أم محمد الخطيب القاطنة في الشارع الممتد من مفرق جبل محسن حتى مستوصف الرابطة الخيرية الإسلامية، منذ أشهر عدة، تستيقظ عند الساعة الواحدة ليلاً لإعداد القوارير بانتظار “تحرك ساعات المياه”. “أيقظت ابنتي في إحدى الليالي لتؤنسني بسبب تأخّر المياه التي أتت الساعة 2:30 ثم ربطت المنبّه على الرابعة فجراً لأطفئ المولّد لئلّا يطوف الخزان”، تقول أم محمد. تنتشر روايات مشابهة بين سكان الحي، فتروي بعض النسوة عن “تحوّل ليل الناس إلى نهار عبر إقامة صبحيات ليلية بالتحادث عبر البلاكين”، والتنسيق بين ربّات البيوت في مجال حاجة كل منزل إلى المياه، والعبارة الأكثر تداولاً هي “المي خفيفة، طفّي عندك لنْدوّر عنّا” في إشارة إلى صعوبة وصول المياه إلى الطبقات العلويّة في حال تشغيل مولّدات الطبقات السفلى. وعمد بعض السكان إلى وضع ساعات مياههم ومولّداتها على الأرض اعتقاداً منهم بوصولها بطريقة أسرع ما أدّى إلى تسابق عجيب على تأمين الأماكن الأفضل لوضع المولدات!
وترى أم صلاح القاطنة في التبّانة خلف سوق الخضار، أن الحالة لا تُحتمل “لكنّ زوجي يرفض ترك التبّانة”، يساعد هذه المرأة السبعينيّة أولادها الساكنون في مناطق ميسورة. فيما تحكي تركية أسعد القاطنة في جبل محسن في الشارع الممتد بين تعاونية الأمل حتى مشروع حمزة، عن اضطرارها إلى شراء سعة خزان مياه يومياً على مدى خمسة عشر يوماً بالتزامن مع استضافتها لأقربائها من سوريا بتسعيرة 75 ألفاً لكل خمسة براميل. يفاجئك بعد معرفة هذه الأوضاع في أحياء جبل محسن الداخلية، خزان كبير على هضبة مطلّة من المفترض أنه يحلّ مشكلة المياه للمنطقة الواقعة أسفله، لكنّ المعلومة الإضافية أن هذا الخزان المشيّد منذ أكثر من عشر سنوات لا يعمل بسبب خطأ تقني في التمديدات.
أما في ما يتعلق بسلامة المياه، فإن مؤسسة مياه لبنان الشمالي تقوم بفلترة المياه وتعقيمها قبل إرسالها إلى المواطنين، لكن هذا لا يكفي بوجود مشكلة أساسية تكمن في اهتراء شبكات التمديد واختلاط مياه الشفة بشبكة الصرف الصحي كما أكدت بعض المختبرات، وخاصةً أن هذه المياه صالحة للشرب في الحد الأدنى لكنها تتضمّن نسبة عالية من الرصاص قد تؤثر في صحة المواطنين، ولا سيّما الأطفال. وعن مراجعاتهم للجهات المختصة بالنسبة إلى وضع المياه، يتفق الأهالي على سهولة سماع الكلام الطيب، “كلام غير شكل، بتقول الميّ بكرا رح تجي”.


خريطة واقع مياه الشرب

يتبيّن من خلال مشروع واقع مياه الشرب ومياه الصرف الصحي في منطقتي باب التبانة وجبل محسن، الذي نفّذته الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية، أن الأحياء التي لا تعاني انقطاع المياه هي:
الحي الممتد من أول طلعة “الملولة” حتى مفرق جبل محسن، الحي الممتد من مفرق جبل محسن حتى ثكنة الجيش، والحي المقابل له أو ما يُعرف بالوادي، ويقع خزان المياه الذي يروي هذه الأحياء في منطقة أعلى منها بكثير حيث إنها تمثّل منخفضاً. إضافةً إلى هذه المناطق هنالك واقع مختلف يتعلق بالأبنية الجديدة الخاضعة للقوانين التي تفرض على صاحب العقار حفر بئر ارتوازية توفّر الاكتفاء لسكان هذه الأبنية، فلا تسبّب لهم مشكلة انقطاع المياه كبير ضرر.