عمر نشابةنجح الرئيس ميشال سليمان وفريق عمله الذي يشغل أبرز مركز فيه وزير الداخلية المحامي زياد بارود، في تأمين مناخ الحدّ الأدنى من الاستقرار. ورغم استمرار ارتفاع نسبة التوتر السياسي والمذهبي والطائفي بين القوى النافذة، تمكّن بارود، إلى حدّ ما، من تفكيك فتيل انفجار الشارع. لكن لعلّ أبرز ما نجح فيه الوزير الشاب كان تفكيك بعض من فتيل الانفجارات في مكاتب الإدارات الرسمية وفي أروقتها. إذ إن المحاصصة السياسية والمذهبية والطائفية تتحكّم بالإدارات التي تتبع لوزارة الداخلية، وبالتالي فالتوتر بين القوى النافذة يمتدّ عادة ليشمل تشنّجات بين المدراء العامين والموظفين والضباط والرتباء والعسكريين.
وصحيح أن مناخ الحدّ الأدنى من الاستقرار سمح لهدوء العواصف الأمنية التي كانت قد شغلت البلاد وقتلت العباد من 2005 حتى 2008. فتوقّفت الانفجارات وعمليات الاغتيال التي استهدفت إعلاميين وعسكريين وسياسيين وطالت المواطنين الآمنين. ولا شكّ في أن عوامل داخلية وإقليمية ودولية سهّلت ذلك. لكن عدم انحياز بارود لطرف على حساب آخر وإصراره على تسلّق مبنى وزارة الداخلية وحده مشياً على حبل رفيع يمتدّ بين بعبدا وعين التينة ورياض الصلح والصنايع هو سرّ المهنة في المرحلة الراهنة.
تطلّب المشي على الحبل الرفيع صبّ جهد كبير للحفاظ على التوازن. وكان على بارود مضاعفة ذلك الجهد بسبب هبوب رياح من الشرق تارة ومن الغرب تارة أخرى. واشتدّت الصعاب أمام غبار الصحراء وضباب الجبال، ما اضطرّ بارود إلى التخلّي عن بعض أمتعته لتفادي السقوط. فلا يحتمل الحبل الرفيع الوزن الزائد لكامل أعداد موسوعة إصلاح قوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام التي حملها بارود بيده اليمنى يوم دخوله الوزارة. ولا يمكن استمرار تمسّكه بسلّة الإصلاحات البلدية بكلّ ما فيها من خضار وفاكهة. ويستحيل عليه رفع كيس باطون إصلاح السجون الثقيل على ظهره وحيداً. وقد يمنعه دفتر قانون الانتخابات الذي يمسك به في فمه من الكلام رغم اعتراضه على خلوه من التمثيل النسبي.
أما شنطة ملفات تفعيل مديرية الأحوال الشخصية ومديرية الشؤون السياسية والدفاع المدني وتطويرها فربطها بيده اليسرى. وحشر هاتفاً مفتوحاً على خطّين بين كتفه ورقبته وربط عنقه بطوق مجلس الأمن المركزي الحادّ كالسكين. فإذا اشتدت الحركة جرح وريده وإذا بقي واقفاً مكانه انغرس الحديد في لحمه. فكان على الوزير الشاب متابعة المشي بحذر شديد وبإحراج لا يمكنه التعبير عنه.
وعندما شاهد بعض الحريصين على الإصلاح ومنتظري إنجازات الوزير الآتي من الهيئات الحقوقية والاجتماعية رمي الوزير بعضاً من حمولته الإصلاحية، أطلقوا عليه السهام. ورغم أن السهام لم تلمس الوزير، إلا أنه شعر بالإصابة. لكن لعلّه يعي أن تلك السهام ليست سوى تعبير صارخ عن آلام استمرار عجز المؤسسات والفساد الذي يتآكلها.