أحمد محسنتراهم في الطرقات، يفترشون أشعة الشمس مظلةً في النهار، والهواء البارد مساءً. لكن، ورغم ذلك، ربما لا يكون صيتهم جميلاً، في أوساط المواطنين. يحمّل الأخيرون رجال الأمن مسؤولية الفوضى العامة، في الطرقات، وفي المخالفات اليومية للقانون. قد يبدو الأمر بديهياً، كون القوى الأمنية هي الموجودة على الأرض، والتي يتسنّى للمواطنين ملاحظة وجودها. ما يتناساه البعض، أن رجال الأمن، يقعون ضحية هذه الفوضى هم أنفسهم. خلال اليومين المنصرمين فقط، وقعت سلسلة من الحوادث الأمنية، كان ضحاياها رجال أمن، لم تسعفهم بذلاتهم، أو هيبتهم المفترضة، من التعرض لبعض المشاكل.
عصر السبت الفائت، تضارب رجال أمن مع مواطنين، في منطقة بئر حسن تحديداً. حصل ذلك أثناء قيام دورية من فصيلة بئر حسن، بمراقبة أعمال البناء. شاهدت الدورية سيارة من نوع بيك أب، محمّلة بمواد البناء، فأوقفتها للتحقق من أوراقها. رفض السائق التعاون مع القوى الأمنية. تطور الأمر، حين تجمع أهالي المنطقة من نسوة وشبان، قدرت التقارير الأمنية عددهم بمئتي شخص، مؤكدةً أنهم «مدعومون» من أحد التنظيمات أو الحركات المحلية. تعرّض رئيس الدورية والعناصر المرافقة له للضرب المبرح، كما رماهم المحتشدون أرضاً، ما اضطر أحد المجندين إلى إطلاق ثلاثة أعيرة نارية في الهواء لتفريق الجميع. في المحصلة، فرّ سائق البيك أب داخل الأحياء القريبة، فيما نقل أربعة من رجال الأمن إلى مستشفى بيروت الحكومي لتلقّي العلاج. وبيّنت التحقيقات لاحقاً أسماء ثلاثة أشخاص شاركوا في الاعتداء على القوى الأمنية، من دون أي إشارة في التقارير الأمنية الى القبض عليهم، علماً بأنهم يقطنون في منطقة المدينة الرياضية. وتسري شائعات بين أهل المنطقة، تكاد أن تتحول الى صورة نمطية معمّمة بين المناطق كلها، الخارجة عن سلطة الأمن الداخلي، أن رجال الأمن الذين يراقبون شرعية الأبنية الجديدة يتلقون رشى وما شابه. لكن ذلك لا يبرر الاعتداء المتكرر على القوى الأمنية بين الحين والآخر، ويطرح أسئلة حقيقية، عن جدية عمل هذه القوى، إن كانت عرضة للضرب والإهانة في أكثر من وقت، وأكثر من مكان.
تجمّع أكثر من 200 مواطن في منطقة بئر حسن وهاجموا إحدى الدوريات هناك
وفي حادثة أخرى لافتة، يوم الجمعة الفائت، وأثناء إقامة مفرزة سير بيروت الثانية حاجزاً ثابتاً، في وسط العاصمة، على مقربة من تقاطع شارع فوش، مرت سيارة من نوع رينو، كان بداخلها ثلاثة أشخاص من جنسية عربية، أحدهم قاصر، يبلغ من العمر 16 عاماً، من دون أن تمتثل لطلب أفراد الحاجز بالتوقف. لم يكتفوا بذلك، بل عمدوا إلى دهس رجل المجند طانيوس موسى. عندئذ طاردت الدورية السيارة، ونجحت في توقيف من فيها، بعد سباق هوليودي، اصطدمت خلاله السيارة العسكرية بالرينو الملاحَقة. وفي سياق منفصل، لا بد من الإشارة الى أن رجال الأمن، بصفتهم مواطنين عاديين، خارج دوام عملهم الرسمي، يعانون من بعض الخلافات، ويشاركون في عراكات، قد تلعب صفتهم الأمنية فيها دوراً سلبياً أحياناً. قبل يومين، بدأ عراك في منطقة الدورة على خلفية المرور بين أحد المجندين الممدّدة خدمته (أحد أفراد حراسة منزل السفير الفرنسي) من جهة، والمواطن عادل ب. (69 عاماً). وتناقل الناس معلومات عن إصابة الطرفين بجروح ورضوض، كما نقل الرجل المسنّ الى أحد المستشفيات لتلقي العلاج، فيما أحضر المجنّد الى الفصيلة الإقليمية، حيث جرى التحقيق معه في الحادثة. وكما هي الحال مع المجنّد المذكور، أوقفت دورية تابعة لفرع المعلومات، رجل أمن أيضاً، في الأشرفية، لأنه كان يقود سيارة من نوع دايو تيكو، بنفسجيّة اللون، تحمل لوحةً مزورة، من دون أن يكون بحوزته أي أوراق تثبت ملكيتها. الطريف في الأمر، أن الرتيب المذكور يخدم في فصيلة الأشرفية، حيث سلمته دورية فرع المعلومات إليها، كموقوف هذه المرة، لا كرجل أمن. بيد أن القضاء المختص أشار إلى ترك المعاون لقاء سند إقامة، فيما حجزت الدايو البنفسجية.
وفي الحديث عن التحقيقات، تجدر الإشارة الى أن رتيباً آخر تعرض لهجوم من أحد المواطنين. حدث ذلك داخل فصيلة الجديدة، حين حاول أحد الموقوفين استعمال هاتفه الخلوي داخل احدى غرف الفصيلة، مخالفاً القانون، ما اضطر أحد الرتباء هناك لمنعه، وهو الأمر الذي لم يرقه. لم تقتصر شتائم الموقوف على الرتيب، بل شملت مؤسسة قوى الأمن الداخلي كاملةً.