لم تمرّ العملية الأمنية التي نفّذها الجيش فجر أمس في مجدل عنجر على خير. فالدهم الذي أدّى إلى مصرع شخصين من البلدة، وجرح أحد العسكريّين، أحدث مزيداً من الشرخ بين الأهالي والمؤسسة العسكرية، التي أصبحت في نظر الأهالي في دائرة الاتهام المباشر بارتكاب “جريمة” بحق البلدة
البقاع ــ عفيف دياب
لم يبدّد بيان مديرية التوجيه في الجيش هواجس أهالي مجدل عنجر، الذين انقسموا بشأن ما جرى فجر أمس في بلدتهم، وذلك خلال دهم قوة عسكرية تابعة للجيش منزل المتّهم علي محمد بو عباس، الملقّب بالعطار (23 عاماً)، والمطلوب بعدة مذكّرات توقيف بتهم مختلفة، تمهيداً لتوقيفه وإحالته على القضاء المختص. العملية الأمنية التي كان يريدها الجيش سريعة وموضعية، لم يُكتب لها النجاح، حيث وقعت مفاجأة غير متوقعة، أو لم تكن في خطة الدهم التي تطوّرت إلى تبادل لإطلاق النار (وفق بيان الجيش) مع المطلوب العطار ورفيقه المطلوب عمار محمد حسين (25 عاماً)، ما أدى إلى مصرعهما على الفور وجرح أحد العسكريين، كما ذكر بيان مديرية التوجيه.
قالت قيادة الجيش اللبناني في بيانها عن المداهمة إن قوة من الجيش دهمت “أماكن فيها بعض المطلوبين للعدالة، كانوا قد أقدموا على الاعتداء في وقت سابق على عناصر أمنيّين خلال قيامهم بوظيفتهم”. وتابع البيان “بادر المطلوبون إلى إطلاق النار على القوة المتدخلة، فجُرح أحد العسكريين. وردّت القوة على النار بالمثل مما أدى إلى مقتل كلّ من علي محمد أبو عباس المعروف بعلي العطار، وعمار محمد حسين، وهما مطلوبان بمذكّرات توقيف بجرائم خطف أحد العسكريين، وإلقاء رمّانات يدوية قرب مدرسة مجدل عنجر الرسمية، وإحراق سيارة أحد المواطنين، وتخريب نصب الاستقلال في محلة المصنع، واشتراكهما ضمن مجموعة خالد يوسف المعروف بـ “ملكة” في السطو على مصرف في شتورة ومحل مجوهرات في عنجر”. ودعا بيان الجيش الأهالي إلى “عدم الانجرار وراء التحريض والشائعات”، و“التعاون مع الإجراءات الأمنية المتخذة بهدف تثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة، وفي البلاد بأكملها”.
إثر شيوع الخبر عمّت موجة من الفوضى والغضب
إثر شيوع الخبر عمّت موجة من الفوضى والغضب مجدل عنجر، مترافقةً مع ظهور مسلحين مقنّعين جابوا بعض شوارع البلدة مع إطلاق رصاص في الهواء. وقال شهود لـ“الأخبار” إن دورية من الجيش اللبناني كانت تستعد لدهم منزل العطار قرابة الثانية فجراً، وأضافوا إن العطار ورفيقه عمار “لم يكونا داخل المنزل، بل جرت مطاردتهما خلال محاولتهما دخول المنزل بعد وصولهما إلى مقربة منه سيراً على الأقدام”. وتابع الشهود أن “العطار وعمار لم يكونا مسلّحين، ولكن خلال محاولة فرارهما من كمين الجيش تعرضا لإطلاق الرصاص ما أدى إلى مقتلهما على الفور”. هذه “الخبرية” ردّ عليها مسؤول أمني، وقال لـ“الأخبار” إن عملية الدهم “كانت تجري وفق خطّة محكمة، ولكن تعرّض الدورية لإطلاق رصاص ألزمها بالرد على مصدره، ما أدى إلى مقتل المطلوبين، وجرح أحد العسكريين”، وأضاف إن “أهالي مجدل عنجر متفهّمون للإجراء الذي قمنا به، وهم يعرفون تماماً أننا نبحث عن هذين المطلوبين وغيرهما منذ فترة، ونحن لسنا في حرب مع أهالي مجدل عنجر، بل ننفّذ مذكّرات قضائية هدفها الأول حماية المجدل والسلم الأهلي عموماً”. ونفى المسؤول صحة المعلومات المتداولة عن أن الجيش بادر إلى إطلاق الرصاص على المتهمين الأعزلين من السلاح، و“لقد تعرضنا لإطلاق رصاص مما اضطرنا إلى الرد بالمثل، ولا مانع عندنا من فتح تحقيق يبدّد شكوك الأهالي”.
بيان الجيش اللبناني، وتصريح المسؤول الأمني لـ“الأخبار”، لم يبدّدا هواجس أهالي مجدل عنجر، الذين تجمّعوا في مسجد البلدة مندّدين بما جرى، فيما أقدم بعض الشبان على إثارة موجة من التعبئة والدعوة إلى “الجهاد ضد الجيش”، ولكن سرعان ما وُضع حدّ لهذه المحاولة التي أُجهضت فوراً إثر نجاح مساعي فعّاليات البلدة في لجم التدهور والتصعيد الأمني. اكتفى الأهالي بإصدار بيان يطالب قيادة الجيش اللبناني بإجراء تحقيق فوري وشفّاف في ما جرى، و“نريد أن نسأل الدولة والجيش، ونريد جواباً صريحاً ومسؤولاً: ما ذنب من قُتل اليوم، وما هي جريمته؟ وما ذنب الضحيتين، وما الجرم الذي ارتكباه؟ وهل اقترفا جريمة قتل أو سلب أو تعرضا لأحد في البلدة وخارجها”؟ ورأى بيان الأهالي أن ما جرى يُعدّ “جريمة في حق مجدل عنجر، لا في حق الضحيتين”، مطالباً الدولة “بإجراء التحقيق اللازم في ما ارتُكب، وألّا يمر الأمر كما مرّ يوم مقتل إسماعيل الخطيب، الذي ذهب دمه هدراً ودون إجراء أي تحقيق حتى هذه اللحظة”. وشدّد البيان على مطالبته “بوقف كل عمليّات الدهم”، وتضمّن بيان أهالي مجدل عنجر السؤال التالي “هل ما حصل اليوم (أمس) هو لحماية كرامة الإنسان وصيانة للمواطن اللبناني، أم هو التسرع في اتخاذ قرار لم يُتّخذ مثله في مناطق أخرى؟ الشابان اللذان سقطا اليوم على يد الجيش اللبناني، هل كانا يمثّلان كل هذا الخطر على أمن الدولة والوطن؟ ألم يكن الأحرى بالجيش أن يعمد إلى التحري والترصّد والإيقاع في شباكه الشابين بوسائل هو يعرفها ويدركها”؟ وأكد الأهالي أن مجدل عنجر “بلدة وطنية ولم تخرج عن سلطة الدولة يوماً (...) وما يروّج عن أنها بؤرة أمنية أو مربّع أمني عارٍ من الصحة تماماً، كما أن وصفها بأنها موئل الإرهاب لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، فهناك فئة تريد عبر الضغط على مشاعر الشباب أن تصوّر البلدة على غير حقيقتها”.
بيان أهالي مجدل عنجر الذي استطاع التوفيق بين مختلف الآراء في البلدة، واستيعاب المطالب الداعية إلى تطوير الأمور نحو المواجهة مع الجيش، دخلت على خطّه أيضاً قيادة “تيار المستقبل” المركزية، التي أوفدت نواباً وقادة محليّين للتهدئة، حيث عُقدت سلسلة اجتماعات في مجدل عنجر، وأخرى مع الجيش اللبناني، الذي أرسل تعزيزات من مختلف قطعاته العسكرية القتالية من فوجَي مغاوير البحر والتدخّل، مدعّمة بالآليات المدرعة والعناصر، حيث فرضت طوقاً محكماً حول المجدل، مع إقامة حواجز ثابته ومتحركة، في وقت عمّ فيه الإقفال العام البلدة ومنطقة المصنع الحدودية، مع تنفيذ دوريات مؤللة على طول الطريق الدولية من شتورة إلى منطقة المصنع، كما لوحظ تسجيل حال استنفار في صفوف الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في مختلف مناطق البقاع الأوسط، فيما شهدت المراكز الأمنية الرسمية في البقاع اجتماعات أمنية ـــــ تنسيقية بين مختلف الأجهزة بهدف المتابعة الميدانية، وإجراء الاتصالات السياسة مع مختلف الأطراف الحزبية والاجتماعية، حيث أثمرت ضبطاً أمنياً للوضع “مع تفهم حال غضب الأهالي” وفق قول أحد المسؤولين الأمنيين لـ“الأخبار”. وقال أحد فعاليات البلدة، الذي شارك في بعض الاتصالات إن مجدل عنجر: “تقف مع الدولة، ولكنها تريد معرفة حقيقة ما جرى كاملة، وهذا ما وعدنا به المعنيّون”.
شارك في التغطية: أسامة القادري ونقولا أبو رجيلي


تشييع هادئ جداً

شيّعت مجدل عنجر عصر أمس علي أبو عباس، على أن يُشيّع اليوم الخميس رفيقه عمار حسين، الذي أُجّل موعد دفنه بانتظار الإفراج عن والده الموقوف لدى القضاء اللبناني منذ أيام، حيث نجحت المساعي باستصدار مذكّرة إخلاء سبيل يُتوقع أن تنفّذ اليوم وفق معلومات غير رسمية بتهمة خلاف عائلي على قطعة أرض. وقد شارك في تشييع أبو عباس الآلاف من أهالي البلدة في ظل أجواء هادئة جداً، إذ لم يسجل إطلاق رصاص أو ظهور مسلح كما كانت تتوقع الأجهزة الأمنية، التي أبدى أحد قادتها في البقاع ارتياحه للتشييع “الهادئ والمنظّم”. وقال إن الاتصالات السياسية التي أُجريت: “أثمرت تهدئة تخدم المنطقة والبلدة تحديداً”. آملاً أن تكون عملية تشييع عمار حسين مماثلة. وكان رئيس الجمهورية ميشال سليمان قد تابع التطورات في مجدل عنجر، واستمع إلى شرح مفصّل من وزير الدفاع إلياس المر، وقائد الجيش جان قهوجي. كذلك واكب الرئيس المكلّف بتأليف الحكومة سعد الحريري التطورات، وأوفد مسؤول البقاع في “المستقبل” أيوب قزعون للمتابعة الميدانية.