طوّقت وحدات من الشرطة القضائية في القوى الأمن الداخلي مبنى تلفزيون «الجديد» يوم الجمعة الفائت، لتنفيذ مذكّرة قضائية توجب القبض على الإعلامية عيد. غادرت الأخيرة مبنى المحطة بطريقة غامضة، إلا أن مسؤولين أمنيين أوضحوا ملابسات الحادثة
أحمد محسن ــ رضوان مرتضى
حاصرت القوى الأمنية مبنى قناة الجديد حتى ساعات متأخرة من فجر أول من أمس، بهدف تنفيذ مذكرة توقيف بحق الإعلامية غادة عيد، الصادرة عن قاضي التحقيق في جبل لبنان، في دعوى القاضي شهيد سلامة ضدها بجرم القدح والذم والتشهير. ووفقاً لعيد، فإن الدعوى تعود إلى مكالمة هاتفية أجرتها مع القاضي سلامة على خلفية جريمة زحلة، لكن القاضي وضعها في خانة القدح والذم. ولم تمثل غادة عيد أمام القضاء حتى الآن، لأنها تدّعي «أنها تملك مبرراتها القانونية». فبعد استنكارها «الطريقة البوليسية الاستخباراتية» في توقيفها، نفت في حديث لـ«لأخبار» تبلّغها المذكّرة متهمة بـ«حدوث تلاعب على مستوى الآلية القانونية». تحاول غادة عيد حمل القضاء على محمل حسن، من خلال اعتبارها أن ما جرى كان نتيجة خطأ، مع استبعاد النية السيئة أو المبيّتة. وعن أصل مذكرة التوقيف، تشرح عيد أن اتصالها بالقاضي سلامة كان بقصد العتاب والتساؤل عن الدافع وراء إخلاء سبيل من هرّب القاتل. «لست فوق القانون» تؤكّد عيد، مشيرةً إلى أنه من حقها
أكد مسؤول أمني رفيع أن رئيس الجمهورية ووزير الداخلية واكبا عمل الوحدات الأمنية
الاعتراض على أي «إجراء قانوني مخالف للأصول». تحدثت عيد عن مذكرة إحضار، تسبق مذكرة التوقيف، جرى استردادها من مخفر الرملة البيضاء بعد يوم واحد فقط من وضعها قيد التنفيذ بناءً على طلب النائب العام. وتلفت عيد إلى «أنها بانتظار تدخل النائب العام سعيد ميرزا لتصحيح الخطأ»، متحدثةً عن «مؤامرة» ضدها، ظهرت من خلال الالتفاف على قانون المطبوعات وإصدار قرار التوقيف بجرم جزائي. أما مديرة الأخبار في قناة الجديد، مريم البسام فضل الله، فقالت «المعركة بدأت عند حصار المبنى»، مشيرةً إلى أن مجرّد محاولة القوى الأمنية توقيف البرنامج، واعتقال الزميلة عيد من داخل مبنى القناة، حوّل القضية من جزائية إلى إعلامية. ولفتت البسّام إلى موقفي كل من الوزير زياد بارود والوزير غازي العريضي، اللذين رفضا أن تصفّى قضايا قضائية في معاقل إعلامية. مشيرةً إلى أن اتصالاتهما حالت دون اقتحام القوى الأمنية للمبنى. وقد سرت شائعات عن كيفية خروج عيد، من دون القبض عليها. لم تفوّتها عيد، وعلّقت بالقول: «حضر الوزير ماروني لكني رفضت الذهاب معه، لا ألجأ إلى أحد من السياسيين». لكنها لم تتحدث عن مغادرتها الغامضة. لم تعطِ أجوبة. جاءت الأجوبة من مكان آخر، مطّلع تماماً على كيفية إفلات عيد من مذكرة التوقيف.

القوى الأمنية تصر على تنفيذ القرار القضائي

أكد مسؤول أمني رفيع أن قوى الأمن الداخلي طوقّت مبنى التلفزيون الجديد، بناءً على إشارة النيابة العامة الاستئنافية، وقد كلفت الشرطة القضائية تنفيذ المذكرة القضائية، لكون مقر إقامة الإعلامية غادة عيد، يتبع لمفرزة الجديدة القضائية. بدأ الأمر في الساعة الخامسة عصراً من يوم الجمعة الفائت. فتش رجال الأمن كل السيارات الداخلة والخارجة إلى مبنى المحطة من دون العثور على عيد. وكانت المعلومات المتوافرة أمنياً قد أكدت وجود الأخيرة داخل مبنى المحطة. وفي سياق متصل، لفت المسؤول الأمني إلى أن عيد أجرت اتصالات بمسؤولين أمنيين، في محاولة منها لتفادي القبض عليها، وإلى أن الأخيرة أصرت على عدم تنفيذ مذكرة التوقيف القضائية، وتحدّت رجال الشرطة، واختبأت في مبنى التلفزيون؛ مؤكداً أن رئيس الجمهورية، ووزير الداخلية، واكبا عمل الشرطة الموكل إليها تطبيق القرارات القضائية. وفي الساعة الثانية فجراً، حصل تطور لافت، إذ دخلت سيارتان رباعيتا الدفع، تحملان أرقام مجلس النواب، عبر بوابة المحطة، وأشار المسؤول الأمني إلى وجود مساع كثيرة أُجريت لثني رجال الشرطة القضائية عن القيام بمهمتهم، شملت وزير الداخلية والمدير العام لقوى الأمن الداخلي، بيد أن الاتصالات فشلت أمام إصرار كل المراجع الأمنية على تنفيذ الأوامر القضائية. هكذا، اضطر رجال الأمن إلى عدم تفتيش السيارات التي خرجت من مبنى المحطة بعد وقتٍ قليل على دخولها، لكونها تحمل لوحات مجلس النواب اللبناني، متوقعين أنها أقّلت عيد إلى خارج المحطة. ورجح المسؤول الأمني أن تكون السيارات تابعة للنائب والوزير الحالي إيلي ماروني. وعن هذه النقطة بالذات، أشارت مصادر أمنية إلى أن الشرطة القضائية تتوقع حصول ذلك تسهيلاً لفرار عيد، كما جرى التنسيق مع جميع المراجع العدلية من أجل الخطوات اللاحقة. وفي الحديث عن الخطوات اللاحقة، أكد المسؤول الأمني أن القرار حازم وصارم في تنفيذ مذكّرة التوقيف، وأن الشرطة القضائية ستقوم بعمليات دهمٍ واسعة بحثاً عن الأماكن التي يشتبه بوجود عيد فيها، بما فيها منزلها، ومنازل أقربائها، وأينما كانت، وذلك تطبيقاً للقانون، ومنعاً لأي استخفاف بالقرارت القضائية.


غادة عيد والمحاكم

دعوى القاضي سلامة، ليست الأولى من نوعها في حق الإعلامية غادة عيد، إذ كان قاضي التحقيق في بيروت، عبد الرحيم حمود، قد أصدر قراراً ظنياً بحقها، في أيار 2007، قضى بإيجاب محاكمتها أمام المحاكم الناظرة في قضايا المطبوعات، بعدما ظن بها القاضي وفق مواد القانون المتعلقة بالقدح والذم. وكان المدعي رياض خ. قد تقدم بشكوى ضد عيد، رأى فيها أنها ألصقت به تهماً، تتعلّق بسوء ممارسته لوظيفته في وزارة الصحة، وذلك أثناء حلقات عدة من برنامجها الأسبوعي. وفي سياق متصل، أحال النائب العام التمييزي، القاضي سعيد ميرزا في حزيران المنصرم، المدّعى عليهما بجرم القدح والذم (اللذين ظهرا في برنامج عيد) بحق النائب كنعان على النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي جوزف معماري، وذلك لاتخاذ الإجراء القانوني في حقهما.



ليست مختبئة

أكد عدد من المواطنين تلقيهم عدداً من الرسائل القصيرة SMS، على هواتفهم، جاء فيها حرفياً: «غادة عيد ليست مختبئة عند الوزير ماورني، لمعرفة التفاصيل أرسل رسالتين فارغتين على الرقم التالي». وعند إرسال رسالتين قصيرتين إلى الرقم المذكور، يفاجأ المرسل باستقباله رسالة أخرى، تبارك له اشتراكه في خدمة الخبر السريع. هكذا، أصبحت أخبار عيد مادةً تجارية، علماً أنها في حديث مع «الأخبار» رفضت الحديث عن مكان إقامتها. وفي الإطار نفسه، أشار مسؤول أمني رفيع إلى أن محامية عيد، مايا حبلي، حاولت في اليومين الماضيين إجراء مفاوضات مع المراجع الأمنية المختصة، بغية تسليم عيد إلى القضاء، تنفيذاً لمذكرة التوقيف، متوقّعاً الوصول إلى هذا المخرج في الساعات الآتية.