تقمّص 150 شاباً دور ممثلي الدول في الأمم المتحدة. ناقشوا، بناءً على دعوة من خمسة شباب لبنانيين، هم مؤسسو جمعية «المبادرة للعمل التعاوني والحوار»، قضايا عالمية، وتوصلوا إلى عقد معاهدة سلام لم تكن لتعقد لولا تعاطف ممثل «فلسطين المحتلة» السويسري مع القضية الفلسطينية
رنا حايك
درجت بعض الجامعات وجمعيات المجتمع المدني في لبنان والخارج على تنظيم المؤتمرات المسماة MUN (نموذج الأمم المتحدة) سنوياً. خلالها، تجري محاكاة جلسات المؤسسة الدولية، ويتمرن طلاب السياسة على مزاولة الدبلوماسية.
خلال الأسبوع الماضي، افتتحت جمعية «المبادرة للعمل التعاوني والحوار» نشاطها بتنظيم مؤتمر مماثل استغرق تحضير الأعضاء له زهاء سنتين. خمسة شباب لبنانيين كانوا وراء إنشاء الجمعية التي تُعنى تحديداً بالتبادل الثقافي وبتعزيز ثقافة الحوار، «لأن الكلمة ضعيفة في لبنان، حيث لا نقدّر قيمة الحوار» كما يقول رئيس الجمعية، رامي رسامني، الطالب في كلية الحقوق في كينغز كولدج في لندن، مضيفاً أن اهتمام الجمعية ينصبّ أيضاً على «عرض الوجه الآخر للقضايا بالنسبة إلى الأجانب الذين يزورون لبنان، بعيداً عن الصورة المضللة التي ينقلها الإعلام الغربي لهم». وبما أن «الوجه الآخر» للقصة هو مثار جدل، حتى ضمن اللبنانيين، فقد حرص المنظمون على أن ينأوا بالنقاش عن فخاخ الشأن المحلي، وأن يرتقوا به إلى مقاربة أكثر عالمية، بالإضافة إلى عرض الواقع كما هو، فـ«كما زرنا المناطق السياحية وأماكن الترفيه، نظمنا للمشاركين زيارة للجنوب فاصطحبناهم إلى بوابة فاطمة». يروي رسامني كيف أن بعض المشاركين من الأجانب قد اعترضوا على استبدال اسم «إسرائيل» بـ«فلسطين المحتلة» خلال الجلسات، وكيف أن المنظمين شرحوا لهم أن «هذا هو الوضع على الأرض، فلبنان لا يعترف بإسرائيل دولةً، وبالتالي يمنع القانون اللبناني التعامل معها على هذا الأساس، ونحن جمعية محلية تحترم القانون». إذاً، قفز المؤتمر عن فخاخ السياسة ليحقق هدفه الأول: تعزيز الحوار بين شباب من مختلف الجنسيات، وفتح الآفاق أمام كل منهم.
في هذا السياق، يرى رالف الحاج، طالب في العلوم السياسية في الجامعة الأميركية، وممثل بريطانيا في «مؤتمر السلام في الشرق الأوسط»، أن تمثيل المشارك لدولة أخرى هي تجربة ثرية جداً، إذ تجبره على القيام بأبحاث معمَّقة في سياسة تلك الدولة وتاريخها «لو كان كل منا سيمثّل بلده، لكنا قد كررنا المعلومات والمواقف ذاتها، ولم نكن لنكتسب معلومات إضافية». ولّدت تلك الازدواجية بين الرأي الخاص والدور الذي يؤديه المشارك أحياناً مواقف طريفة، فخطابات ممثل السعودية، وهو لبناني مناصر للقضية الفلسطينية، جعلت رالف يطلق عليه لقب «عبد الناصر». أما الشاب الهولندي الذي مثّل لبنان، فقد اختلط عليه الأمر، وطالب باسترداد الجولان، متناسياً مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ما دعا رالف إلى تذكيره بهما، رغم تعاطفه معه، لأنه «الله يعينه إذا نحنا وبالكاد فاهمين لبنان، كيف هو؟».
وقد ناقش المشتركون، كل فريق بحسب المجلس الذي التحق به، قضايا عالمية كثيرة من ضمنها الاحتباس الحراري ومشاكل الصومال وأفغانستان، إلا أن «القضية الفلسطينية كانت من أسخن النقاشات» يقول طارق توتونجي، طالب السياسة المقارنة وممثل الصين في المؤتمر، مضيفاً: «لكننا توصلنا إلى عقد معاهدة لأن السويسري الذي مثّل فلسطين المحتلة متعاطف جداً مع الفلسطينيين، ما دفعه إلى الاعتذار منا دائماً عن مواقفه بعد فضّ الجلسات».
إذاً، أُقرت المعاهدة، وبموجبها يصار إلى هدم الجدار العازل تدريجاً، وإلى استرداد لبنان لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا، واستعادة سوريا للجولان، رغم عدم النجاح الكلي في العودة إلى أراضي 67، فقد صعّب عدم توحّد الفصائل الفلسطينية في ما بينها التفاوض، حتى في النموذج.


صورة الوطن الحافز الأول

«رغم أنني أتعب كثيراً، إلا أنني أحب بلدي، وأريده أن يصبح أحسن»، يقول رامي رسامني. فمن خلال هذا المشروع، الذي مثّل الحضور اللبناني حوالى 40% من المشاركين فيه، «حاولنا تعميم ثقافة الحوار، وروجنا الصورة الحقيقية لبلادنا، رغم عدم تعاون المؤسسات الحكومية معنا، فقد استغرقنا عاماً كاملاً لجمع التمويل الهائل الذي تطلّبه المشروع، بينما لم تدعمنا أي من المؤسسات الرسمية، ولو عبر مراعاتنا في إيجار القاعات في مجمع إميل لحود للمؤتمرات. قد تفعل في المرة المقبلة». أثناء ذلك، ستتابع الجمعية نشاطها، إذ ستستقدم قريباً طلاباً من عدة دول أجنبية، يتساعدون مع طلاب لبنانيين على القيام بنشاطات تنموية في المناطق المحرومة كالجنوب وعكار.