خالد صاغيةكان واضحاً منذ ما قبل الانتخابات النيابية أنّ الاصطفافات بين 8 و14 آذار زائلة، وأنّ مراسم الدفن تحتاج إلى بعض الوقت، ليس إلا. فالانتخابات لم تكن حاسمة بالنسبة إلى مستقبل الفريقين. فلو فاز أي منهما، لما كانت المحصلة لتختلف كثيراً. يمكن القول إنّ الانتخابات كانت تخصّ رجلاً واحداً، اسمه ميشال عون. إمّا أن يسقط ميشال عون، وإمّا أن يفوز. لم يسقط الجنرال، لكنّه لم يفُز. بقي في منطقة معلّقة بين الاثنتين.
ساد تململ وسط التيار الوطني الحر بعد الانتخابات. يطرح البعض قضايا تنظيمية، ويعترض البعض الآخر على مواقف سياسية. لا أحد يعلم إن كان النقاش سيستمرّ أو سيُجهَض كما في المرّات السابقة. لكنّ نكسة الانتخابات يمكن أن يحوّلها التيّار إلى فرصة للاستثمار، كذلك يمكن أن ترمي به خارج الملعب.
فالسؤال الذي ينبغي للتيار أن يجيب عنه اليوم هو مدى قابليّته للتحوّل إلى حزب سياسي. ولا يعني ذلك المستوى التنظيمي وحسب، بل أيضاً القبول بفكرة اللاعب السياسي بدلاً من اللاعب التاريخي.
فمنذ ظهور العماد ميشال عون على المسرح السياسي، وهو يقدّم نفسه شخصيةً تغيّر مسار التاريخ، أكثر منها شخصيةً تصارع لفرض برنامج ودعم رؤية في السلطة، وذلك بصرف النظر عن تقويم مواقفه.
جاء إلى السلطة على رأس حكومة انتقالية، فقال إنّه لا سلطة في ظلّ الاحتلال، وشنّ حرب التحرير. وقال إنّه لا سلطة في ظلّ الميليشيات، فشنّ حرب الإلغاء. وحين ربح معركة «السيادة، والحرية، والاستقلال»، أبى أن يعترف لـ«شركائه» بفضلهم. فالمتعاون مع الاحتلال والوصاية لا يمكن أن يخوض معركة التحرير. خاض الانتخابات وحيداً، وبقي خارج السلطة رافعاً شعار الشراكة، ثمّ قلب الطاولة على رؤوس الجميع بتوقيع وثيقة التفاهم مع حزب اللّه. وحين دخل التيار إلى الحكومة السابقة، رأى أنّ وجوده في السلطة مجرّد محطّة عابرة نحو تغيير المعادلات كلّها في الانتخابات النيابية. و«الملفّات جاهزة، وسترون!».
حين تتألّف الحكومة الجديدة، سيكون وزراء التيار الوطني الحر للمرّة الأولى على طاولة مجلس الوزراء لاعباً سياسياً إلى جانب لاعبين آخرين. هل يقبل التيار شروط اللعبة، أم يختار البقاء معلّقاً بانتظار انقلابات وتغييرات كبرى، ويبقى الجنرال جنرالاً فوق السياسة يشتم الطاقم السياسي كلّه، وفوق الاقتصاد يشتم الفساد والفاسدين؟ وإن قبل التيّار، فماذا عن جمهوره؟