مثنى غرايبةمطعم سمك خلف محطة البنزين، فيه أربع طاولات فقط لأنه يعتمد على الطلبات الخارجية. هكذا، يصبح عمل محمد مزدوجاً، فهو يجب أن يخدم الزبائن في الداخل، ويوصل الطلبات إلى المنازل. ولأن المطعم يعتمد على الطلبات الخارجية فقلما تكون فيه المتطلبات الأساسية، فإن طلب الزبائن خبزاً أو عصيراً يضطر محمد في كل مرة لأن يخرج في الشمس، التي أقل ما يمكنا أن يقال عنها إنها حارقة، ليحضر الطلب، ببساطة لأن صاحب المطعم ليس مستعداً لأن يبقي بعض الخبز الذي لا يساوي ثمنه نصف دولار في المطعم إن لم يأت زبون ليستهلكه فوراً. في كل مرة أدخل فيها المطعم كان محمد يشكو من صداعه، ويشكو كيف أنه رمى بهاتفه الخلوي وكسره في الحائط لما يسبب له من ألم في رأسه. بصفتي أعمل في شركة اتصالات، أهديته خطاً جديداً لا يعرف الزبائن رقمه، وحتى يتّصل بأهله في مصر دون أن يقف على كابينات الهاتف في الشوارع. كان يخبرني دوماً عن صاحب المطعم وطريقة تعامله معه. فمحمد مضطر لأن يلبس القميص الأبيض الوحيد المصنوع من النايلون الذي أحضره له صاحب المطعم. كان يتحدث عن شوقه لأن يلبس شيئاً مريحاً. بالنسبة له، تقتصر الأحلام على تبديل زيه. كان يقول دوماً إنه يتمنى العودة إلى مصر حيث هناك «حياة حقيقية». كان، لو تأخر خمس دقائق في الصباح، يخصم منه صاحب العمل أجر يومه الكامل. كما يذهب أكثر من 30 ريالاً من راتبه الذي لا يتجاوز 130 ريالاً بدلاً من السكن. تحقق حلم محمد وعاد إلى مصر أخيراً، فرحت لذلك. عدت للمطعم بعد شهر من الغياب وسألت عنه. قالوا لي ببساطة: مات. فالصداع الذي كان «يقتله» قد قتله فعلاً. كان سرطاناً في الدماغ. محمد عاش ست سنوات في الغربة ليبني بيتاً لأمه وأخواته في مصر، ومات.