الإعلام العربي قاصر عن مقاربة موضوع تغيّر المناخ، هذا ما خلصت إليه أمس ورشة عمل نظمتها رابطة الناشطين المستقلين «إندي ــ آكت» في الرملية. لكن يبقى هناك متّسع من الوقت لتعويض هذا التقصير قبل 7 كانون الأول المقبل، موعد انعقاد القمة العالمية حول تغيّر المناخ في كوبنهاغن
بسام القنطار
تغيّر المناخ بدأ. الخبر ليس بجديد، لكن وقعه مختلف مقارنةً بين سكان لبنان وسكان جزر المالديف مثلاً. لهذا السبب أرادت رابطة الناشطين المستقلين، إندي ـــــ آكت، أن تجمع على مدى يومين، في مركز المتوسط الحرجي في الرملية، عدداً من الصحافيين والمدوّنين العرب لتزويدهم بتطوّرات سير مفاوضات تغير المناخ الحالية التي ستنتهي نهاية هذا العام في كوبنهاغن. وقد جرى الحديث عن آليات العمل المشتركة والتواصل بين الإعلاميين الذي يتولّون متابعة هذا الموضوع، والاطّلاع على الأنشطة التي ستسبق وتتزامن مع انعقاد هذا المؤتمر، الذي ينظر إليه على أنه الفرصة الأخيرة لإنقاذ العالم.
فبالنسبة إلى جزر المالديف، حيث الطبيعة الرائعة الجمال، يصارع السكان من أجل البقاء فوق سطح الأرض، إذ يهدّد ارتفاع مستوى مياه البحر بزوال هذه الجزر الى الأبد. وإذا لم تتعهد الدول الكبرى الحدّ من الارتفاع في درجة الحرارة إلى ما دون درجتين مئويتين، فإن سكان هذه الجزر سوف يتحوّلون إلى لاجئين مناخيين، أي إنهم سيكوّنون فئة جديدة من اللاجئين يضافون إلى اللاجئين السياسيين. ويتطلب الوقوف عند حد درجتين مئويتين إعادة تركيز الغازات الدفينة على ما يعادل الـ350 جزءاً في المليون من ثاني أوكسيد الكربون.
تمثّل محادثات كوبنهاغن آخر فرصة لإنقاد العالم
الرقم 350 بات ذا شهرة عالمية، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، حيث بدأت قبل ثلاثة أعوام أكبر حملة تطرح الرقم 350 شعاراً لها، وذلك لحثّ الإدارة الأميركية على تغيير سياستها وتعديل موقفها من الاتفاقية الجديدة بشأن المناخ.
عن هذه الحملة تحدّث مؤسسها بيل مككيبن، معلناً أن الحدث الأبرز الذي أسهم في جذب اهتمام الناس إلى موضوع تغير المناخ هو «الصور الفظيعة التي التُقطت لذوبان الجليد في القطبين في منتصف صيف عام 2007».
وشرح مككيبن الجولات التي يقوم بها حول العالم من بنغلادش، حيث أصيب بحمى الضنك، وحيث أتيح له أن يرى مئات البنغلادشيين الراقدين في مستشفى دكا بعد إصابتهم بهذه الحمى التي تنتشر بسرعة جرّاء ازدياد كميات البعوض الناقلة لها بسبب ارتفاع درجات الحرارة. ومن المالديف حيث غاص مككيبن تحت البحر، ورأى بأمّ العين موت الشّعَب المرجانية جراء ارتفاع نسبة الأسيد في المياه، وكيف يمكن ذلك أن يقضي على الموئل الطبيعي الذي يعتاش منه آلاف السكان.
لذلك ركّز مككيبن على أهمية الحملة ومخاطبة الشعوب، موصياً بتوحيد اللغة التي نتحدث بها إلى الناس، وتبسيطها قدر المستطاع لكي يفهموا خطورة ما يحصل «والرقم 350 هو الأقرب إلى الحفظ والفهم والقدرة على اختراق الحواجز واللغات».
وأشار إلى أنّ 24 تشرين الثاني المقبل، هو يوم تاريخي بالنسبة إلى المدافعين عن البيئة حيث سينظّم 2400 نشاط حول العالم للضغط على قادة الدول والرأي العام للخروج بمعاهدة جديدة في كوبنهاغن «التي ستشهد توقيع اتفاقية، لكن هل ستقدّم هذه الاتفاقية الحلّ أم أنّها ستكون مجرد مقايضات بين الدول الكبرى؟» يسأل، متخوّفاً من مقايضات قد تجري: «على الجميع أن يعرف أن المقايضات يمكن أن تجري بين البشر، وأحياناً بين القرود، ولكن لا يمكن إجراء مقايضة مع الكيمياء والفيزياء. لقد قال العلم كلمته ووضعنا أمام الخيار الأصعب. على الانبعاثات العالمية أن تبلغ ذورتها عام 2015 تقريباً، وتعود مستوياتها عام 2020 إلى ما كانت عليه عام 1990، ومن ثم تعود وتنخفض بنسبة 80% من هذا المعدل عام 2050، وبذلك يمكن البحث عن استقرار تركيز الغازات الدفيئة إلى أقل من 350 جزءاً في المليون من ثاني أوكسيد الكربون، علماً أن مستواها الحالي يبلغ 387 وهو يرتفع نقطيتن كل عام».
من جهته، قال وائل حميدان، المدير التنفيذي في إندي ـــــ آكت، إن هذه الورشة هي جزء من «الحملة العالمية للتحرّك من أجل المناخ»، التي تمثّل أكبر تحالف دولي لأهم المنظمات غير الحكومية في مختلف أنحاء العالم العاملة على سياسات تغيّر المناخ.
وكان قد حضر الورشة أكثر من 40 صحافياً من مختلف أنحاء المنطقة. وقدّم عدد من الخبراء في مجال تغيّر المناخ والعلوم الطبيعية والسياسة محاضرات شملت آثار تغيّر المناخ ودور الإعلام العربي في تسليط الضوء على هذه الآثار.
وتركّزت المناقشات على الوضع الراهن لعملية التفاوض من أجل اتفاقية جديدة بشأن تغير المناخ، وانخفاض أداء الدول العربية في هذه المفاوضات. كما وضع المشاركون خطة عمل لكيفية تمكّن وسائل الإعلام العربية من دفع حكومات المنطقة إلى القيام بدور أقوى.
وشدد حميدان على أن «محادثات كوبنهاغن حول تغير المناخ هي آخر فرصة للعالم للتوصل إلى اتفاقية توفّر الخفوضات المطلوبة للانبعاثات من أجل تجنّب كارثة عالمية ذات أبعاد لا يمكن تصوّرها».
وحمّلت هبة فرحات، المسؤولة الإعلامية في «إندي ـــــ آكت»، الإعلام العربي مسؤولية توجيه اهتمام الناس إلى «أهمية ما يحصل في مفاوضات تغير المناخ». مشيرةً إلى أنه على الرغم من العلاقة القوية التي تربط «إندي ـــــ آكت» بوسائل الإعلام العربية، فإن غالبية المؤسسات والشبكات الإعلامية ما زالت بعيدة عمّا يجري على الساحة العالمية في ما يختصّ بمفاوضات تغيّر المناخ، وإن تركيز الإعلام العربي على هذا الموضوع سوف يسهم في تغيير سياسات الدول العربية في المنطقة.
مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية، والمستشارة الإعلامية في «إندي ـــــ آكت»، صفاء كنج ركّزت على ضرورة الخروج بخطة عمل وأفكار لتفعيل الإعلام العربي. واقترحت إنشاء مجموعة من الإعلاميين المهتمين بالتغير المناخي وربطها وتفعيلها من أجل تبادل الخبرات والمعلومات بطريقة فاعلة ومؤثرة.