عساف أبو رحالدبس الحصرم ودبس العنب مادتان متناقضتان من حيث الطعم والاستعمال، لكن مصدرهما واحد: الدوالي. إلا أن فارق الوقت بين استخراج الدبسين، جعل لكل منهما ميزة خاصة رغم أوجه التقارب في عمليتي التحضير والتصنيع.
فالحصرم أصبح مع الوقت مضرب مثل في القرى الجبلية، حيث يُقال «حامض مثل الحصرم»، إذ أكسبته درجة الحموضة المرتفعة شهرة واسعة منذ زمن بعيد، وخصوصاً بعد دخوله عالم التصنيع، ليتحول دبساً عالي الحموضة يدخل في صنع العديد من الوجبات الغذائية.
وتعتبر عملية تحضير دبس الحصرم قديمة جداً، لكنها بقيت محصورة ضمن الإطار المنزلي، ولم تتعدّه إلى قيام معاصر تنتج كميات كبيرة، على غرار أخيه دبس العنب الذي يعقبه بعد شهرين، وهي الفترة الزمنية الفاصلة بين الولادتين. لطالما كانت هذه المادة حاضرة في كل المنازل في القرى الجبلية، اعتمدتها العائلات قبل توافر الليمون الحامض، وأدخلتها في تركيبة شريحة واسعة من المأكولات التراثية مثل «الزناكل» والفطائر والتبولة وأنواع السلطات والفتوش، لما تضفيه عليها من نكهة مميزة لنقاوتها وطبيعتها الخالية من الأصباغ والمركبات الصناعية، ما يتيح استخدامها كذلك في تحضير الشراب صيفاً. وتشرح منى الطويل، وهي ربة منزل تعمل في تحضير دبس الحصرم سنوياً «قبل نضوج الدوالي، تقطف العناقيد وتُعصر الحبات بواسطة ماكينة يدوية، ثم يُصفّى العصير جيداً ويوضع على نار هادئة مدة خمس أو ست ساعات لتكتمل عملية التبخر، ويتحول العصير إلى مادة لزجة حمراء اللون شديدة الحموضة» وبعدما وصفت هذه العملية بالمتعبة إذ إنها «تحتاج وقتاً طويلاً لأنها معصرة مصغّرة لمعصرة دبس العنب»، أضافت «كل 40 كيلوغراماً من العناقيد تعطي عشرة كيلوغرامات من العصير، ليصبح المنتج الصافي بعد مرحلة الغليان نصف كيلوغرام من دبس الحصرم»، لافتة إلى أن «تحضير هذه المادة بكميات مرهون بنسبة الطلب المسبق، لذا تعتبر مادة نادرة غير متوافرة في الأسواق بكميات تجارية، وتعتبر أسعارها مرتفعة جداً قياساً بغيرها من المواد والسلع الأخرى، حيث يراوح سعر الكيلوغرام الواحد بين 30 و40 ألف ليرة، لذا اعتُمدت العبوات الزجاجية الصغيرة وسيلة تعبئة تسهيلاً للبيع بأسعار تناسب الجميع».
مع مطلع تموز من كل عام، تنشغل بعض العائلات الزراعية بتحضير دبس الحصرم، كسلعة تراجع حضورها تجارياً في الأسواق، وتمثّل اليوم مصدراً إضافياً في دخلها يسبق المدخول الأساس وهو «دبس العنب» الذي يأتي متأخراً في نهايات أيلول، فيما تبقى المرحلة الفاصلة بين الدبسين، مرحلة تسويق يسعى المزارع خلالها إلى بيع أكبر كمية ممكنة من العنب في موسم طال انتظاره سنة كاملة.