عندما تشتدّ زحمة السير في لبنان ترهق أعصاب المواطنين، أما عندما تخفّ الزحمة فتتكاثر حوادث السير القاتلة. الحالة المزرية للطرقات وأخطاء السائقين، إضافةً إلى عدم قمع المخالفات، من أسباب تفاقم الأزمة، والحل بحسب وزير الداخلية بفرض احترام القانون ولو بالقوة
محمد نزال
«يصل عدد قتلى حوادث السير في لبنان إلى أضعاف عدد قتلى الحوادث الأمنية». قد تفاجئ هذه الكلمات بعض الناس، لكن وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، ما انفك يردّدها في المؤتمر الصحافي الذي عُقد في الوزارة، أمس، بعد اجتماع موسّع ضم محافظ بيروت وكبار ضباط قوى الأمن الداخلي، إضافةً إلى ممثلي عدد من الجمعيات الأهلية. خصّص الاجتماع لموضوع السير عموماً، وحوادث السير خصوصاً، إضافةً إلى التدابير الواجب اتخاذها، وذلك بعدما بلغت أخيراً أعداد قتلى حوادث السير أرقاماً «مخيفة» على حد تعبير بارود (45 قتيلاً في شهر تموز الماضي وحده). وضع بارود في بداية حديثه الجميع أمام مسؤولياتهم: «زحمة السير وسلامة المرور تمثّلان أزمة تقع على عاتق العديد من الوزارات، إضافةً إلى مسؤولية المواطن الشخصية».
37 قتيلاً... هو المعدل الشهري لقتلى حوادث السير في لبنان. رقم يستفز وجدان بارود «إنه موت غبّي، وفي غير محله، فالإحصائيات تؤكد أن 88% من الحوادث سببها السائقون أنفسهم، فلا يكون الموت غير غبّي إلا إذا كان استشهاداً في ساحات الشرف».
مليون ونصف مليون هو عدد زائري لبنان خلال موسم السياحة حتى الآن. 300 ألف سيارة أجنبية دخلت لبنان خلال الفترة نفسها. أرقام تؤدي بداهةً إلى زحمة سير خانقة، وخاصة في ظل غياب أو عدم فاعلية ما وضع من خطط طوارئ من جانب القوى الأمنية ومفارز السير، تحاشياً لما وقع. لكن «كل هذا لا يبرّر حوادث السير، بل يجب أخذ تدابير أكثر صرامةً، وبالأخص في موسم الصيف»، يقول الوزير بارود، ويضيف شارحاً أسباب الحوادث المميتة:
1 – الحالة المزرية للطرقات، إذ هناك «نقاط سوداء» على كل الأراضي اللبنانية. تتمثّل هذه النقاط في حفر يكاد بعضها أن يصبح «بئراً». يشكو المواطنون منها باستمرار، كأنها «عصية على الدولة»، فبعضها بات معمّراً منذ 30 أو 40 عاماً. يشيد بارود بوزير النقل والأشغال العامة غازي العريضي «الذي يتجاوب معنا دائماً» بيد أن الحل يتطلب جهوداً من الجميع، ولذلك هو «خيار استراتيجي». وتعدّ الطرقات والأنفاق التي لا إنارة فيها من «النقاط السوداء» أيضاً، إضافةً إلى الطرقات التي لا يصبغها الطلاء.
2 – أخطاء السائقين سبب آخر «لحوادث إزهاق الأرواح». السرعة الزائدة، السُكر، عدم احترام قانون السير، كلها سلوكيات تؤدي إلى القتل «نعم، ومن اختار الانتحار، عليه أن لا يسبّب مقتل غيره».
3 – عدم قمع مخالفات السير: أسهب الوزير بارود في شرح هذا الأمر، فأكّد أن قوى الأمن الداخلي تقوم بجهود أكبر من إمكاناتها، وبأدوار تحتاج إلى عديد أكبر من العديد المتوافر. ولفت إلى ضرورة التوفيق بين مواجهة القوى الأمنية للإشكالات الأمنية وللإرهاب من جهة، وبين متابعة العمل على السلامة المرورية من جهة أخرى، وبالأخص أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى مقتل 7 مواطنين جراء أفعال جنائية، في مقابل 57 قتيلاً قضت عليهم حوادث السير منذ بداية العام الجاري.
تجدر الإشارة إلى أنه في عام 1991 أُقر بضرورة تأمين عديد كاف لقوى الأمن الداخلي لتنظيم السير، كان عبارة عن 47 ضابطاً و2250 فرداً. ويلفت بارود إلى أنه بعد مضي 18 عاماً على إقرار هذه الضرورة، فإن عديد اليوم ما زال 20 ضابطاً و 1343 فرداً. وبناءً عليه، فمن أجل تنفيذ الخطة الموضوعة لمعالجة أزمة السير وسلامة المرور، لا بد تأمين من 500 فرد إضافي، وهذا ما يؤمل أن يحصل خلال 6 أشهر.

رخص السوق ليست هدية

تطرق الوزير بارود أمس، إلى موضوع رخص سوق الآليات في لبنان، مؤكداً اعتماد آليات جديدة في عملية إصدارها. كما أكد أيضاً نائب رئيس جمعية «اليازا» جو دكّاش في حديث مع «الأخبار». لن يكون «دفتر السوق» بعد اليوم هدية تُمنح. وسترفع نسبة النجاح في امتحان أهلية قيادة السيارات من 21/30 إلى 24/30. وبانتظار أن يقر المجلس النيابي قانون السير الجديد، فإن مفارز السير سوف تعتمد لاحقاً مبدأ «التنقيط»، أي إن كل مخالفة تستوجب إنذاراً سوف توضع بسببها إشارة على رخصة سوق المخالف، وعند وصول عدد من المخالفات إلى حد معيّن تُسحب الرخصة نهائياً.

زحمة تنتشر في المناطق

تشهد منطقتا زحلة وشتورا يومياً عند الصباح زحمة سير خانقة، مع بدء عمل المؤسسات الرسمية. ويقول مسؤولون رسميون إن المنطقة المذكورة ترتاح نسبياً من زحمة السير ما بعد الساعة الثانية ظهر كل يوم، وتعود مع ساعات المساء. أيضاً، تسبّب الشاحنات أيضاً فوضى إضافية في حركة المرور. أما في طرابلس، فتكون زحمة السير في ذروتها في الفترة الممتدة من الساعة السابعة والنصف حتى الثامنة والنصف صباحاً، ومن الساعة الثانية حتى الثالثة بعد الظهر من كل يوم. غير أن الحفريات وأعمال «التزفيت» التي تشهدها بعض الشوارع تزيد من الازدحام، وخصوصاً في مناطق باب التبانة والقبة وأبي سمراء وباب الرمل، إضافةً إلى عدم الانتهاء من تأهيل «كورنيش» نهر أبو علي وسط المدينة.
جنوباً، تشهد بعض شوارع مدينة صيدا ازدحام سير يومياً، ويزداد الأمر سوءاً مع انقطاع التيار الكهربائي. يزداد ازدحام السير كل يوم سبت من كل أسبوع، نتيجة ضغط آلاف السيارات المتوجهة إلى قرى الجنوب وبلداته. في المقابل، يشهد الأوتوستراد الشرقي زحمة في اليوم التالي عند عودة السيارات من العاصمة وباتجاهها.

الضرب بيد من حديد

«لا يقوَّم الناس إلا السيف» عبارة يردّدها البعض معتقداً أن القوّة كفيلة بإجبار الناس على تطبيق الأنظمة والقوانين. قد يلقى هذا القول جدلاً بين مؤيد ورافض، ولكن الوزير بارود في مؤتمره الصحافي أكد على «الوعي الذاتي» لدى المواطنين، بيد أنه شدد في المقابل على ضرورة «الضرب بيد من حديد» كل مخالف للقانون. فقد عمّم على جميع القوى الأمنية الأخذ بهذا المعيار، مجدّداً تأكيده أن محاضر الضبط «مش أكلة»، منطلقاً بذلك من «الحرص على سلامة الناس».
1744 رقم ساخن عائد إلى شرطة السير، فكل مواطن مدعوّ إلى الاتصال به والإبلاغ عن أي مخالفة يرتكبها بحقه أي رجل أمن. في المقابل يجب احترام الشرطي.
«المواطن العادي صار أقلية، وللأسف المييزين صايرين كتار»، بهذه الكلمات لخّص بارود لجوء البعض إلى «الواسطة»، حيث يوقف رجل الأمن شخص ما أثناء قيامه بمخالفة، فيقول له «أنت مش عارف حالك مع مين عم تحكي!»، أو يعمد إلى الاتصال بأحد «الكبار» ليخلصه من تبعات المخالفة. ترتسم ملامح الغضب على وجه الوزير وهو يذكر هذه الحالات. يقول بحزم «انتهينا، وبدنا نخلص من عبارات «مع مين عم تحكي»، فأي ضابط يتصرف بهذه الطريقة سوف يحوّل إلى التفتيش. «لن أسمح بأن يستمر هذا السلوك، مهما كلفني الأمر».


المجموعة الجوّالة بالمرصاد

أعلن وزير الداخلية والبلديات زياد بارود (الصورة) ولادة مجموعة أمنية باسم «المجموعة الجوّالة». 500 ضابط وعسكري من شرطة السير والدرك، هو عدد هذه المجموعة. تنطلق في عملها ابتداءً من الأسبوع المقبل. يتركّز عملها على مؤازرة مفارز السير في كل المناطق، وتحديداً تلك التي تشهد مخالفات سير أساسية. وستباشر هذه المجموعة عملها في منطقة يسوع الملك ـــــ فاريا، بحسب ما أكد مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار» نظراً إلى ما تشهده المنطقة المذكورة أخيراً من مخالفات، ولاحقاً يمتد نطاق عملها إلى منطقة عاليه وخلدة وبيروت إلخ... وستكون هذه المجموعة مزودة بدراجات نارية لمطاردة المخلّين بالأمن، إضافةً إلى استفادتها من الرادارات وأجهزة التعقب. ومن المهمّات الملقاة على عاتق المجموعة المذكورة، إقامة حواجز ثابتة في النقاط «الساخنة» أمنياً، إضافةً إلى إقامتها لحواجز فجائية في مختلف المناطق. وأكد بارود في حديث مع «الأخبار» أن المجموعة يُعوّل عليها كثيراً لقمع مخالفات السير.