للسياسيين آراؤهم، ولنا آراؤنا. لا تستغربوا عند تردد هذه العبارة على ألسنة بعض الشبّان المحزبين، فلتصريحات النائب وليد جنبلاط تداعياتها... الإيجابية أيضاً. كيف لا تكون إيجابية، وقد حرّكت الماء الراكد في آراء بعض الشبان، الذين قرروا الخروج عن آراء زعمائهم
محمد محسن
لا تعني ردود فعل الشباب المسيسين على «قلبة» الزعيم الاشتراكي وجود انقلابات حيوية داخل المنظمات الشبابية، بل، على الأقل، تبرهن على أن الشباب لا يزال يتقن جدلية السياسة ولا يكتفي بأن يكون ضمن «القطيع» الذي يتبع الزعيم «عمّال على بطّال»، بل يناقش مواقفه.
فمحبّو الرئيس رفيق الحريري من الشباب لم يصمتوا كما فعل ابنه. وشباب الضاحية المؤيدون دوماً للمقاومة، لم تغرهم تصريحات نوابها، المروّجة لجنبلاط حليفاً قديماً جديداً، ضد المشروع الإمبريالي، فيما البرتقاليون المؤيدون للتيار الوطني الحر، مطمئنون إلى متانة تحالفهم مع الحزب، الذي «لن يعيد خطيئة التحالف الرباعي».
صدمة. تكاد هذه الكلمة توجز حالة كثيرين من شبّان تيار المستقبل، أو حتى المؤيدين للرئيس الراحل رفيق الحريري. «no comment» أو لا تعليق. هكذا تعلّق مناصرة تيار المستقبل إيناس تميم، على تصريحات زعيم المختارة. أمّا لفادي عبيد، المحب للرئيس رفيق الحريري كما يصف نفسه، تعليق آخر. لم يلزم نفسه برأي تنظيم أو زعيم. «لرفيق الحريري محبّوه، ووليد جنبلاط خسر ثقة الجميع» يقول فادي. في منظمّة شباب المستقبل، ثمّة من يريد التقيد بالموقف الرسمي «بعد الاجتماع المقبل» كحال شادي الرفاعي، ومنهم من يريد الحديث عن إشارات غير جديدة، أنبأت، طوال الفترة السابقة، على مراحل، برحيل حامل لواء «ثورة الأرز» عن معسكر حلفاء تيار المستقبل. هكذا، بدأ محمود غزيّل حديثه عن مواقف جنبلاط منذ الفترة التي تلت أحداث السابع من أيار في العام الماضي، وليس ما استجد منها اليوم، أو «الإعلان الرسمي» عنها أخيراً، في مؤتمر الحزب الاشتراكي. على الرغم من ذلك، يستغرب محمود أن تصدر هذه التصريحات عن «الرجل نفسه الذي كان يشجعنا على التحركات بعد بداية انتفاضة الاستقلال» كما يصفه. لكن محمود ما زال ينتظر سلوك «البيك» العملاني الذي سيتبع المواقف النظرية التي أطلقها، ليحسم رأيه في مسألة التحالف معه من جديد. عودة جنبلاط إلى سلوكه القديم حليفاًَ لسوريا، هو المحك «هوي بفريق ونحنا بفريق» يطلق محمود موقفه، مؤكداً أن على جنبلاط توضيح أشياء كثيرة، قبل «هضم» مواقفه الجديدة.
في الشارع المؤيد للتيار الوطني الحر، يبدو الحديث عن مصير التحالف مع حزب الله بديهياً، وخصوصاً بعد تقارب جنبلاط والحزب أخيراً. زينة كرم المناصرة للتيار الوطني الحر مطمئنة إلى عدم تأثير مواقف جنبلاط على علاقة التيار مع الحزب، لأنها «وصلت إلى مراحل متقدمة تجاوزت السياسة نحو العلاقات الاجتماعية والصداقة». أمّا بالنسبة إلى غسان كرم، ابن بلدة عاليه، فإنه يضع شروطاً للقبول بجنبلاط حليفاً للتيار: عودة المهجرين وترتيب الأوضاع الأمنية في الجبل.
في الضاحية الجنوبية، حيث خزّان المقاومة الشعبي، نظرة غير مطمئنة، على الرغم من تقارب جنبلاط وحزب الله. «وليد جنبلاط ما بيتأمنلو» يقول علي السباعي، مشيراً إلى أن السياسة هي التي فرضت إعادة الهدوء بين حزب الله وجنبلاط. لو عاد الأمر إلى الشاب العشريني لما كان سيمدح جنبلاط «لا ننسى كيف غدرنا أيام التحالف الرباعي». يرفض علي غدار بدوره رفضاً قاطعاً عودة تحالف المقاومة مع النائب جنبلاط، على قاعدة أن «المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين» ولدغة «البيك» كانت مرّة جداً.


كيف يفعّل «بيك» اليسار؟

تذكّر كلمة بناء يسار جديد التي أطلقها النائب جنبلاط في تصريحاته، الشاب اليساري حسين شحرور، بتجربة «اليسار الديموقراطي» المرفوضة. يتساءل حسين كيف سنقبل النائب جنبلاط حليفاً لليسار الذي بدأ يتعافى، وهو «الذي ترك الحركة الوطنية، وذهب إلى أحضان المشروع الأميركي». برأي حسين، لا يمكن جنبلاط «أن يغيب عشرين عاماً عن الفلاحين والفقراء، ثم يعود لينضم إلى صفوفهم» بعدما شارك في هدم العمل النقابي أيضاً، عبر مساعدة الترويكا السابقة. كما يشير حسين إلى أن اليسارية «لا تجتمع مع لقب البيك الذي يذكر بالإقطاع». هكذا، لا يرحب حسين بجنبلاط حليفاً للأحزاب اليسارية.