في عام 1989 افتتح أوتوستراد دير عمار العبدة. عشرون عاماً مرّت ولم ينته العمل به، علماً بأن طوله يبلغ أحد عشر كيلومتراً فقط وهو الأوتوستراد الوحيد الذي يربط بين عكار والخارج. خلال السنوات العشرين الماضية، تغيّرت الشركات المتعهدة أكثر من مرة، كما جرى تعديل خطط العمل مرات عدة، وكأن المطلوب عدم الانتهاء من تنفيذ المشروع ليصبح مشروعاً مدى الحياة!
عكار ــ روبير عبد الله
عندما تتجاوز دير عمار باتجاه العبدة، تطالعك مقدمة أوتوستراد بمواصفات لم يعتد العكاري رؤيتها على طريق عكار. لكن ثلاث دقائق كافية لانتهاء المشهد. بعد أقل من 50 متراً على تجاوز أول لوحة تشير إلى اتجاه العبدة، تصطدم بأول مطب. يتبعه بعد أمتار قليلة، خندق، ثم مطبّ آخر، ثم حفرة من هنا وكتل إسمنتية من هناك، وأشغال متعثرة بين وصلة وأخرى من الأوتوستراد، لتلبغ الأسوأ أخيراً عند بلوغك الجانب الشرقي من مخيم نهر البارد بالقرب من دوّار العبدة.
هذا التلكؤ، أو التعثر التاريخي في إنهاء مشروع الأوتوستراد، لا ينعكس ضرراً على حركة المرور فحسب، بل يؤثر في مصالح الناس وممتلكاتهم على جانبيه. صاحب محطة الصديق، هو أحد المتضررين جراء تذبذب الأشغال على الأوتوستراد، حيث يبدو الصدأ في قضبان الحديد قرب محطته. يقول إن المحطة قائمة منذ عام 1960 «بما يتناسب مع موقعها الكائن في ذلك الوقت على طريق فرعية. ومع المباشرة بتنفيذ الأوتوستراد، شرعنا بإعادة ترتيب المحطة لتتلاءم مع الموقع الجديد، لكننا توقفنا في منتصف الطريق لأننا لا نعلم أين سنضع العدادات، فحدود الأوتوستراد من جانب المحطة خاضعة لتعديلات لا ندري أين ومتى ستنتهي. وهذه ليست حالنا فحسب، بل هي حال كلّ المحال والمؤسسات المنتشرة في جوارنا، من أفران لبنان الأخضر إلى مصبغة العتر ومحال الألبسة ومعرض الروضة وغيرها».
ويشكو محمد سعد، عضو المجلس البلدي في بلدة المحمرة المجاورة للأوتوستراد، من التلكؤ والفوضى والاستهتار خلال مراحل متعاقبة من تنفيذ المشروع. فيشير مثلاً إلى أن «استبدال فاصل معدني كان بين خطي الأوتوستراد، بفاصل من الباطون، بعدما أزيح عن موقعه السابق قرابة المتر الواحد». يتابع: «مرة يجري العمل، بأكلاف عالية، لرفع جانب من الأوتوستراد أكثر من الجانب الآخر بحجة تحسين الرؤية الليلية بين السيارات المتقابلة، ثم يُلغى هذا الرفع من دون معرفة الأسباب، ومرة أخرى يبدأون بالحفر لتشييد جسر ثم يتراجعون عنه. وعلى مفرق المحمرة ثمة جدار كان من المفترض تشييده لوقف الانهيارات المتتابعة في التلة المجاورة، وخصوصاً أنها تهدد سلامة المرور، وبالرغم من ذلك لم يبدأ العمل بإقامة الجدار الذي قبضت ثمنه الشركة المكلفة بأعمال الأتوستراد». ويحمّل محمد سعد مسؤولية التقصير لشركة «هومان» ولمجلس الإنماء والإعمار وللنواب الحاليين باعتبارهم «فريقاً متماسكاً كان بإمكانه الضغط على المراجع المختصة لاستكمال إنجاز أعمال الأوتوستراد».
أما محمد فهمي، من شركة هومان والمهندس التنفيذي في مشروع دير عمار العبدة، فهو مع تحسّسه مشاكل الناس ورؤاها المختلفة لأشكال التنفيذ، إلا أنه يقول متحدثاً باسم الشركة إن «العمل توقف في 15/9/2008، أي بعد سنة من عمل الشركة بمبادرة خاصة من دون تجديد العقد مع مجلس الإنماء والإعمار». واصفاً هذا الأمر بـ«تحسّس الشركة واجباتها تجاه الناس من ناحية، وثقتها بمجلس الإنماء والإعمار من ناحية أخرى». لكن الشركة توقفت عن العمل منذ سبعة أشهر. والسبب أنها «عرضة، شأنها في ذلك شأن معظم الشركات المتعهدة اللبنانية، لشح في الموارد المالية بفعل التجاذبات السياسية القائمة في البلاد، وما أسفرت عنه من عدم إقرار الموازنات العامة، وبالتالي قطع الحساب مع الشركات. إضافة إلى أسباب أخرى اجتمعت لتعيق تنفيذ المشروع كان أولها عدوان تموز، ومن ثم الحرب في مخيم نهر البارد».
ويرى فهمي أن بعض الناس يتفهمون ظروف الشركة، فيما يهاجمها البعض الآخر: «ربما تكون لهم مبرّراتهم، لكنهم يهاجمون الشركة جزافاً ولا يعلمون أن التأخر في إنجاز الأوتوستراد يراكم خسائر هائلة بالنسبة للشركة التي بدأت بالعمل في الأوتوستراد منذ خمس سنوات، وقعت العقد الأول حيث كان سعر طن الحديد قرابة الـ250 دولاراً، وارتفع خلال مدة التنفيذ إلى ما يعادل الـ550 دولاراً. الأمر نفسه حصل مع العقد الثاني حيث ارتفعت الأسعار بعد توقيعه على نحو جنوني ليتجاوز سعر الطن الواحد 1500 دولار. بعد خمس سنوات على عمل الشركة لم تستكمل الدولة عملية الاستملاكات في محيط الأوتوستراد، وهذا ما يجعلنا عرضة لانتقادات كثيرة، نحن لا علاقة لنا بموضوعها».
أما الحفر القائمة على الأوتوستراد فيبررها فهمي باعتبار أن «الشركة التي يعمل فيها أنجزت قسماً من جهة مدخل طرابلس، والقسم الثاني بانتظار إفراج الدولة عن الأموال المستحقة للمتعهدين». ثم يضيف، «بالرغم من عدم مسؤولية الشركة عن الجزء غير المنجز، إن بعض الشاحنات (قاطرة ومقطورة) تحدث خراباً كبيراً في الطرق وهي تدخل من العريضة والعبودية إلى لبنان، فالمقطورة تحمل أوزاناً كبيرة جداً ولا يتوزّع ضغطها على الكم المناسب من الدواليب» علماً بأن هذا النوع من المقطورات، وفق معلوماته، يُمنع دخوله إلى الأردن وباقي البلدان العربية.
تتفق ردود مجلس الإنماء والإعمار مع ما يقوله فهمي، حيث يشير مصدر مسؤول فيه إلى أسباب عدة خلف تأخر العمل في المشروع، منها «اعتراض بعض أصحاب المؤسسات الموجودة على جانبي الطريق على تنفيذ أشغال الممرات السفلية الملحوظة ضمن نطاق المشروع، إضافة إلى أحداث مخيم نهر البارد». ويرى المصدر أن هذا التأخير «أدى إلى توقف العمل بالكامل بعد انقضاء المهل التعاقدية، وتمنّع المتعهد عن متابعة الأشغال قبل موافقة الإدارة على تعديل أسعار عقده من جراء الارتفاع الحاصل في أسعار مواد البناء وتسديده كلفة العطل والضرر الذي لحق به من جراء الأسباب المشار إليها والخارجة عن إرادته». لكن المصدر يضيف: «يعمل المجلس حالياً على معالجة المعوقات التي تعترض متابعة أشغال المشروع، ومن المتوقع أن يباشر العمل مجدداً في القريب العاجل».


مبادرة وزارة الأشغال

بانتظار تجاوز العوائق المتصلة بتنفيذ مشروع الأوتوستراد، عبدت وزراة الأشغال أخيراً مسافة من الطريق تعرف بـ«وصلة أوتوستراد البداوي ــــ دير عمار». هذا الأمر سهّل حركة السيارات عما كانت عليه سابقاً. فهل تتدخل الوزارة أيضاً لتخفف على الناس عناء الحفر المنتشرة بين دير عمار والعبدة؟