تنتهي بعد شهرين مهلة دراسة الطعون الانتخابية. السجال بين الطاعنين والمطعون في صحة نيابتهم مستمر. وإزاء ذلك، بدأت ورشة التحقيقات في المجلس الدستوري. غياب أعضاء المجلس حال دون بتّ طعون عام 2005، فماذا سيكون مصير طعون انتخابات 2009؟
محمد نزال
مضى شهران على انتهاء الانتخابات النيابية، وشهر على انتهاء مهلة التقدم بالطعون الانتخابية إلى المجلس الدستوري. حفظ المجلس 19 طعناً في أدراجه. تنوّعت الدوائر المطعون في صحة نوابها، لكن مضامين الشكاوى كانت متشابهة تقريباً.
تقدمت لائحة «الكتلة الشعبية» بطعون في نيابة أعضاء كتلة «زحلة بالقلب»: إلياس سكاف ضد النائب نقولا فتوش، سليم عون ضد النائب إيلي ماروني، رضا الميس ضد النائب عاصم عراجي، حسن يعقوب ضد النائب عُقاب صقر، فؤاد الترك ضد النائب طوني أبو خاطر، كميل معلوف ضد النائب جوزف معلوف.
في متابعة لما آلت إليه هذه الطعون، بعد مرور أكثر من شهر عليها، أكّد النائب السابق حسن يعقوب في حديث مع «الأخبار» أن المجلس الدستوري بعد دراسة الملفات الموضوعة أمامه، بدأ بتحديد مواعيد لكل من الطاعنين والمطعون في صحة نيابتهم، وذلك «لحضور جلسات الاستجواب»، والانتقال بالتالي إلى المرحلة الثانية، أي مرحلة «الحسم». كان يعقوب قد أشار إلى أنه ضمّن طعونه «بعض الأمور التي لا يرقى إليها الشك من الناحية القانونية»، متحدثاً عن «إضافة أسماء على لوائح الشطب بعد عام 2005». من جهته، علّق النائب المطعون في صحة نيابته، عقاب صقر، في حديث مع «الأخبار» بقوله إنه «جاهز لأي مراجعة قانونية في العملية الإنتخابية». وكان صقر قد سخر من اتهامات يعقوب له، مشيراً إلى أن الطعن الذي قدّمه ضده قائم على «تصريحات للرئيس المصري حسني مبارك ووزير خارجيته أحمد أبو الغيط ومقال «دير شبيغل» وكلام البطريرك الماروني نصر الله صفير».
مسؤول قضائي: ليس في الإمكان بتّ طعون 2005 بعدما أصبح أصحابها نواباً سابقين
شهدت دائرة المتن الشمالي معركة انتخابية طاحنة، فاز فيها 5 من لائحة «التغيير والإصلاح» واثنان من لائحة «الإنقاذ المتني». إثر إعلان النتائج، وخلال مهلة الشهر، طعن كل من إميل كنعان، سركيس سركيس وماجد إدي أبي اللمع في نيابة كل من النواب: إبراهيم كنعان، وسليم سلهب، ونبيل نقولا. وطعن المرشح الخاسر إلياس كرامة في نيابة إدغار معلوف. في المقابل، طعن غسان الرحباني في نيابة ميشال المر وغسان الأشقر في نيابة سامي الجميّل.
مسؤول متني من تكتل «التغيير والإصلاح» تحدث عن اجتماعات تنسيقية بين متقدمين بطعون من التكتل، مؤكداً تواصل الحراك القانوني من المجلس الدستوري، الذي تمنى له المسؤول «النجاح في مهامه، فهو مجلس صاحب دور جوهري في الرقابة الدستورية».
من جهة أخرى، أكد متحدث من المكتب الإعلامي للنائب ميشال المر لـ«الأخبار»، أنه «لا تواصل مع المجلس الدستوري منذ انتهاء مهلة تقديم الطعون». ورداً على اتهام البعض للمر بأن الطعون التي تقدم بها «خفيفة وغير جدية» أكد المتحدث أن «هذا رأيهم، لكن غداً عندما يرون النقاط الواردة في طعوننا، فسوف يكتشفون ما إذا كانت خفيفة أو العكس».
وفي سياق الحديث عن الطعون الانتخابية، أكد مسؤول قضائي «دستوري» في حديث مع «الأخبار» أن هناك مهلاً قانونية لسير العمل في بتّ الطعون، كما قال إنّ «ورشة تحقيقات لدينا قد بدأت، والعمل جار بكل جدية، وعند انتهاء المهل ستكون كل هذه الملفات منتهية». وتشير المادة الـ 29 من قانون إنشاء المجلس الدستوري الصادر عام 1993، إلى أن رئيس المجلس المذكور يُكلف أحد أعضائه إعداد تقرير عن الطعن المُقدم، ويفوض إليه إجراء التحقيقات اللازمة. ويتمتـع العضو المقـرر بأوسع الصلاحيات، وله أن يطلب المستندات الرسمية وغيرها والاستماع إلى الشهود واستدعاء من يراه مناسباً لاستجوابه بشأن ظروف الطعن.
الفقرة الثانية من المادة نفسها، توجب على العضو المقرر أن يضع تقريره خلال مهلة ثلاثة أشهر على الأكثر من تكليفه، ويحيله على رئاسة المجلس الدستوري. وبناءً على ذلك، بعد مرور شهر على التكليف، يبقى من المهلة القانونية شهران، لكنّ خبيراً قضائياً أكد لـ«الأخبار» أن هذه المهلة ليست إسقاطية، بل يمكن أن تمدد إذا كانت هناك ضرورة لإجراء تحقيقات إضافية.
ارتفعت أخيراً أصوات تطالب المجلس الدستوري بضرورة بتّ الطعون الانتخابية المقدمة إليه عام 2005. وفي هذا الإطار، لفت مسؤول منطقة الشمال في «التيار الوطني الحر» العميد فايز كرم، في بيان له إلى «أن التذرع بانتهاء ولاية المجلس السابق لا يبرر عدم النظر بالطعون، نظراً لوجود استحقاقاتٍ مالية ترتبت على تثبيت نيابة الأشخاص المطعون بنيابتهم». وتمنى كرم على المجلس الدستوري أن «لا يسجل على نفسه سابقة قد تطيح صدقيته في مستهل ممارسته الدستورية».
من جهته، استهجن مسؤول قضائي رفيع في اتصال مع «الأخبار» هذه «الحملة غير الشرعية على المجلس الدستوري، بسبب عدم بتّ طعون عام 2005، إذ لا مجال لعمل شيء حيالها، لذلك لا يمكن تحميل المجلس الحالي أخطاء السابقين». وأسهب المسؤول القضائي في شرح عدم إمكان بتّ الطعون القديمة، بل وعدم النفع من ذلك، حيث «إن النائب المطعون في نيابته عام 2005 قد أصبح نائباً سابقاً الآن، أو أُعيد انتخابه، وفي كلتا الحالتين لا نتيجة ترجى من الطعون القديمة، وبالتالي من المعيب مهاجمة المجلس الدستوري من بعض السياسيين والحقوقيين والإعلاميين». وكان رئيس المجلس الدستوري، القاضي عصام سليمان، قد أشار سابقاً إلى أنه كان «يفترض بالمجلس الدستوري السابق إصدار قرارات بالطعون المقدمة عام 2005، على الرغم من انتهاء ولاية خمسة من أعضائه». وتؤكد المادة الرابعة من قانون النظام الداخلي للمجلس الدستوري هذا القول، إذ تنص على أنه «عند انتهاء الولاية، يستمر الأعضاء الذين انتهت ولايتهم في ممارسة أعمالهم إلى حين تعيين بدلاء منهم وحلفهم اليمين».
ماذا عن تأثير السياسيين على الجسم القضائي عموماً، وعلى المجلس الدستوري خصوصاً؟ سجالات حادة تبادلها السياسيون في المرحلة الماضية بشأن «التعطيل المتعمد للمجلس الدستوري»، وغير ذلك من اتهامات تسييس القضاء. لكن رئيس المجلس الدستوري الحالي عصام سليمان أكد أنه «لا مجال لإثارة الشكوك، فالمجلس سينكبّ على درس المراجعات وإجراء التحقيقات اللازمة واتخاذ القرارات في الاعتبار، بمعنى أن المجلس الدستوري سيمارس مهماته بمهنية ومسؤولية وحياد تام، لأننا نرى أن المصلحة الوطنية العليا تقضي بترسيخ الثقة بالمجلس الدستوري».
تجدر الإشارة إلى أن قرارات المجلس الدستوري مبرمة، ولا تقبل أي طريق من طرق المراجعة العادية وغير العادية. كذلك تتمتع قراراته بقوة القضية المحكوم بها، وهي ملزمة لجميع السلطات العامة، وللمراجع القضائية والإدارية، وتنشر في الجريدة الرسمية.


ولادة «الدستوري» وأعضاؤه

أنشئ المجلس الدستوري بالقرار الرقم 250 الصادر بتاريخ 14/7/1993 المعدّل بتاريخ 30/10/1999. هو هيئة دستورية مستقلة ذات صفة قضائية، مهمته مراقبة دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون، وبتّ النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية.
يتألف «الدستوري» من 10 أعضاء، يعيّن مجلس النواب نصف هؤلاء الأعضاء بالأكثرية المطلقة من عدد الأعضاء الذي يتألف منه قانونـاً في الدورة الأولى، وبالأكثرية النسبية من أصوات المقترعين في الدورة الثانية، وإذا تساوت الأصوات فالأكبر سناً يُعَدّ منتخَباً.
ويعين مجلس الوزراء النصف الآخر بأكثرية ثلثي عدد أعضاء الحكومة. ويُختار الأعضاء من بين القضاة السابقين الذين مارسوا القضاء العدلي أو الإداري أو المالي مدة 25 سنة على الأقل، أو من بين الأساتذة الأصيلين السابقين أو الحاليين في التعليم العالي الذين مارسوا تعليم مادة من مواد القانون عشرين سنة، أو من بين المحامين الذين مارسوا مهنة المحاماة عشرين سنة على الأقل.