حسن خليل


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

كان خطاب الرئيس ميشال سليمان في عيد الجيش واضحاً. طالب بالبحث في أحد خيارين: إلغاء الطائفية السياسية أو تعديل اتفاق الطائف. أراد الخروج من التلاعب بالكلمات والذهاب إلى النيّات. بكلام آخر، طرح إمّا المبادرة إلى بناء مؤسسات الدولة على أساس مدني لا طائفي وليكن لكل رئاسة صلاحياتها وعليها واجبات، وإما الاعتراف نهائياً بنتائج الطائف (لم يثبّت الطائف نصّاً مذهبية المراكز الرئاسية)، عندها يريد الرئيس سليمان ومعه المسيحيون القلقون على مصيرهم تعديل اتفاق الطائف لتثبيت استقرارهم السياسي في هذا المشرق المضطرب.
العقبة الأولى أمام الرئاسة، ستكون في التوافق أو المساكنة مع الطاقم السياسي نفسه. الأطراف اللبنانية لم تعد قادرة كما في ظروف الطائف على تعديل قوانين لعبة السلطة في لبنان من دون مباركة، أو على الأقل عدم ممانعة، دول عربية وإقليمية وغربية.
العقبة الثانية ستبرز إذا ما ظهرت حيثيات تؤكد جدّية رئيس الجمهورية في طرحه. في الشق الأول، أي إلغاء الطائفية السياسية، سيجد أن معظم زعماء الأحزاب والطوائف غير جدّيين في مناداتهم السابقة بإلغائها، بل متخفّون فيها فقط. وفي الشق الثاني، أي تعديل الطائف، سيفرط هذا الطرح الحب الجارف الطارئ حديثاً، من المتقلّبين نحو رئاسة الجمهورية، والمتمثّل بالوسطية، لتعود وتتعرض الرئاسة لأبشع الاتهامات الديماغوجية وتعود معها شعارات المارونية السياسية مجدداً.
ماذا يعني هذا الكلام؟
لا أحد في هذا الكيان الجغرافي المسمّى لبنان معني بتقوية موقع الرئاسة بالترابط أو من دون ترابط مع إلغاء الطائفية السياسية. الرئيس لحود سابقاً، والآن الرئيس سليمان، التزما في قيادة الجيش وفي رئاسة الجمهورية بحضانة المقاومة والعلاقات المميزة مع سوريا. هذا لم يغيّر في التركيبة القانونية أو صلاحيات الممارسة للمؤسسات الرئاسية.
في الكيان الجغرافي، لبنان، سياسيون ولا سياسة. لا اختلاف في مبدأ الاقتسام، اختلافات في الحصص فقط. والتجاذب الطائفي المذهبي ما هو إلا تأكيد على أن الكيان الجغرافي، لبنان، أصبح «تعايش أقليات» إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. جميع الأحزاب في المبدأ والعلن لديها برامج متشابهة ذات عناوين عامة في الإصلاح والتربية والصحة والكهرباء والمياه واللامركزية... إلى درجة أنه قد يكون (مع بعض التعديلات في ما يتعلق بالاقتصاد) ممكناً دمجها في حزب واحد. البعض يتخفّى بشعارات وطنية غير موجودة إلا عند القليل من الأنصار. الطائفة أو المذهب قبل الكيان. والكيان أصلاً هو لحماية المذهب لا العكس.
إذاً ما هي حظوظ أن يتحقق طموح رئيس الجمهورية في إلغاء الطائفية السياسية؟
كما في موضوع نسبية الانتخابات، كذلك في الطائفية السياسية، سؤال يطرح نفسه بوقاحة: كيف يمكن وقف الانحدار السياسي إذا ما وصل الانحدار إلى الهيئة الاشتراعية، حيث عادة ما تكون مصدر الإصلاح؟ كيف يمكن هيئة اشتراعية أن تصدر تشريعات تناقض وجودها؟ وهنا يكمن الخلل السرطاني. لقد انتشر الانحدار من التشريع إلى القضاء وهيئات الرقابة والزواريب الضيقة للمعاملات الإدارية.
تحدٍ كبير يواجه رئيس الجمهورية في أول عهده، والخيارات أمامه متاحة، ولا أحد ينكر أن الإمكانيات قليلة. ليس بالسهل عليه التجانس والإنجاز مع سلاطين القوم، ومؤلم له ولمَن يريد عودة النفوذ إلى رئاسة الجمهورية التسليم لهم.
فارق ملحوظ، الظروف تبدّلت والعلاقة مع سوريا تطورت لمصلحة الداخل اللبناني. وأمن لبنان من أمن سوريا، والعكس صحيح.
تبقى المبادرة عند الرئيس سليمان. حتى الآن نجح في ترسيخ الثوابت وأخذ مسافة متساوية من الجميع. لكن هذا لن يكفي في السنوات الخمس المقبلة. عليه حسم خياراته بأن يستمر في ما طرحه في عيد الجيش، مستفيداً من اضطرار الأطراف المسيحية المتناحرة، لأسباب شتّى، إلى التجاوب معه في طروحاته، لأن الهدف هو تقوية موقع الرئاسة، وعدم استطاعة الطرفين الشيعي والدرزي (بعد تكويعة وليد جنبلاط) معارضته، لأنه التزم المقاومة والعلاقات اللبنانية ـــــ السورية المميزة. يبقى الطرف السنّي الذي يجب، بوسيلة أو بأخرى ومن خلال القنوات العربية، إقناعه بأنه ليس المستهدف، بل إن المطلوب إعادة التوازن إلى لبنان لكي لا يكون مستقبلاً بحاجة إلى طائف آخر.
كما في معظم الأنظمة الجمهورية الغربية، يجب أن يكون مطلب التوازن بين الرئاسة ومجلس الوزراء وطنياً، وليس محصوراً بطائفة معيّنة لمواجهة طائفة أخرى.
فرصة استثنائية، إذا ما اصطحبت بموقف استثنائي، قد تعيد للرئاسة الأولى بعض سلطتها، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى.