عند التاسعة من صباح اليوم ستكون صريفا على موعد مع حلقة جديدة من مسلسل الهزات، وموضوعها تدريب المواطنين على كيفية التصرف عند حدوث أي هزة أرضية. وإذا كانت المناورة الموحدة التي يجريها الجيش اللبناني ووحدات قوات اليونيفيل قد تفيد البلدة بعيد وقوع الواقعة لجهة الإغاثة الفورية لساعات معدودة، فمن يناور على هزات البدن الارتدادية ويعوّض على المواطنين غياب الدولة وقتاً أطول؟
صريفا ــ آمال خليل
يستفيق أهل صريفا اليوم على هزة أرضية افتراضية تأتي على شكل صفارات إنذار يطلقها الجيش إيذاناً ببدء التدريبات للمواطنين والهيئات المحلية على الإجراءات الواجب اتخاذها. ويشترك في «التمثيل» الجيش مع الوحدتين الإيطالية والفرنسية والمواطنين في «مسرحية»: «هزة في صريفا». أما السيناريو فيتضمن إجلاء المشردين وإيواءهم وإسعاف المصابين وفتح الطرق التي أقفلها (افتراضياً) ردم البيوت.
لكن صريفا لن تحتاج إلى هزات افتراضية لكفايتها الذاتية واقعياً، بعدما فاق عدد الهزات التي ضربت المنطقة منذ 12 شباط 2008، التسعمئة هزة بين أصلية وارتدادية. حتى أنّ كثيرين لا يستبعدون أن تهز هزة حقيقية أرض صريفا خلال «هزة التمثيل». وعليه يمكن استبدال المثل الشائع «لا تهزه واقف ع شوار» بـ«لا تهزه واقف في صريفا». إذ بات كل ما في البلدة، بسبب توالي الهزات وزعزعتها للبيوت، يهتز، سواء اهتزت الأرض أم بقية ساكنة.
تسترجع اليونيفيل خيم الإيواء والمواد الغذائية فور انتهاء المناورة
أما الأهالي في صريفا وأخواتها فإذا لم تهزهم الأرض، فإن تجاهل الدولة لمتابعة ملف التعويضات على المتضررين بعد الكشف على منازلهم أو تأمين المقومات لمواجهة وقوع أخرى أقوى، كفيل بأن يخرجهم عن طورهم بعدما طفح كيلهم، وأغرقت أمطار الشتاء بيوتهم المتصدعة. وكانت قوة الهزة الأولى التي ضربت صريفا عام 2008، قد بلغت 4,2 درجات على مقياس ريختر وأحدثت تصدعات في منزلين متهالكين في البلدة، بينما فاقت قوة الهزة الثانية خمس درجات وكانت كفيلة بتشقق العشرات من المنازل وتشريد الناس في العراء لأيام عدة.
ولم يجد أهالي البلدة آنذاك من يهدئ من روعهم سوى اليد الأممية. إذ بادرت الوحدتان الإيطالية والفرنسية إلى تأمين شوادر لإيوائهم، مجهزة بالفرش والمدافئ والمعلبات والإسعافات الأولية. أما الجيش اللبناني فقد تحرك بعد أسابيع، بعدما اتخذ مجلس الوزراء قراراً بالكشف على المنشآت المتضررة من جراء الهزة. وقد استمرت عمليات المسح بمراحلها الثلاث أكثر من عام، رفع بنهايتها الجيش ملفات التعويضات إلى الهيئة العليا للإغاثة لإقرارها وصرفها على المتضررين. لكن رئيس الهيئة يحيى رعد كان قد أبلغ في أيار الماضي رئيس بلدية صريفا علي عيد أنهم «لم ينجزوا درس الملفات بعد تمهيداً لتحديد قيمة التعويضات ورفعها إلى رئيس الحكومة للموافقة عليها».
إذاً، تأتي «المناورة الموحدة» اليوم التي تنظمها اللجنة الوطنية لإدارة الكوارث، حصيلة كل ما سبق. وكانت الوحدة الفرنسية قد طرحت الفكرة للمرة الأولى في كانون الثاني الماضي على بلدية صريفا التي وافقت عليها بعد دراستها. ويشرح عيد تفاصيل العملية على الأرض فيقول: «بعد أن تحدث الهزة الأرضية المفترضة، يهرع الناس إلى منطقة المرج حيث ستكون بانتظارهم فرق الإسعافات الأولية في الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني، إضافة إلى جنود من الجيش واليونيفيل. وإذا استدعى الأمر، فستكون سيارات الإسعاف أو المروحيات الأممية، إذا أقفل الدمار الطرق، فهي جاهزة لنقل المصابين إلى منطقة الطويري التي ستستخدم كمستشفى ميداني مجهز». ويوضح عيد أن الجيش واليونيفيل سيقيمان غرفة عمليات تتولى الاتصال بالمعنيين للوصول إلى منطقة الكارثة لأنّ الهزة تعطّل عادة شبكة الاتصالات.
وتزامناً مع هذه العملية، تجري البلدية مسحاً للأمكنة حيث الجرافات والمعدات التي تزيل الردم وتفتح الطرق، لسرعة تأمينها في حال وقوع هزة قوية.
وفيما سيوفر الإيطاليون والفرنسيون الشوادر وخيم الإيواء والمواد الغذائية للناس، فإنهم سيسترجعونها فور انتهاء المناورة، عند الخامسة من مساء اليوم! وتالياً، فإنّه إذا ما حدثت الهزة موضوع المناورة في ما بعد، فلن يجد هؤلاء أي مقومات لمواجهتها.
وكان لافتاً أنّ الجيش اللبناني والهيئة العليا للإغاثة لم يوزعا منذ الهزة الأولى أية مساعدات عينية لإغاثة السكان بعد الهزات. لكن البلديات اعتمدت حينها إما على اليونيفيل أو على دعم بعض الهيئات الدولية والعربية التي قدمت لصريفا شوادر ومدافئ وفرشاً.
تجدر الإشارة إلى أنّه بتاريخ 26 حزيران 2008، عقد اجتماع برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة تبنى التوصيات التي اتخذت في اجتماع اللجنة النيابية للأشغال العامة الذي عقد قبل يوم واحد، وهي أنّ «الإجراءات الوقائية المتخذة أو المطلوب اتخاذها بسبب الهزات ليست استثنائية بل هي الحد الأدنى الذي لا بد منه حتى في ظروف طبيعية وهو تأمين مقومات مواجهتها».
في الإطار ذاته، يبدو أنّ لجنة الإيواء الأهلية المعنية بالاستعداد لمواجهة الهزات المحتمل تكرارها في منطقة صور، قد ملت من عقد اجتماعاتها الدورية التي سجل آخرها قبل أقل من عام واحد، وخصوصاً أنّ اللجنة المؤلفة من اتحاد بلديات قضاء صور والمجلس النرويجي للاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي و«آبيتات» والدفاع المدني والجيش اللبناني والوحدة الإيطالية في اليونيفيل وهيئات الإغاثة المحلية والدولية في المنطقة، لم تتخذ حسب ما يؤكد مصدر في اتحاد بلديات صور تدابير فعلية، وذلك لسببين: الأول أنّ اللجنة كانت قد أبلغت الجهات الرسمية حاجتها إلى خيم إيواء مجهزة ومعدات لرفع الأنقاض وحصص غذائية مسبقاً، أي قبل حدوث الهزة، وهذا ما لم يحصل. أما السبب الثاني فهو أن الجيش اللبناني المكلف بإدارة اللجنة لم يحضر أياً من اجتماعاتها بل رأس لجنة رسمية أخرى مع قائمقام صور ومحافظ الجنوب لم تؤد إلى إجراء فعلي أيضاً.