حسن زين الدينعود على بدء. هلّ فصل الصيف، وقدم المصطافون العرب والمغتربون اللبنانيون كعادتهم إلى «بلاد الأرز». ومع هذا التدفق البشري الكبير تأبى مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، التي تتفاقم صيفاً، أن تفارقنا بحلول هذا الفصل.
ومع انقطاع التيار الكهربائي الذي بدأت وتيرته ترتفع يوماً إثر الآخر، تزداد درجات الحرارة ارتفاعاً، وهي على فكرة معادلة لبنانية فريدة! وجديد هذا العام «تقنين مستحدث» يؤدي إلى انقطاع التيار بين منتصف الليل والسادسة صباحاً و«خود عَ برغش، وهِب نار». هكذا فإنّ منطقتنا القابعة في منتصف الضاحية الجنوبية لبيروت، تعاني أزمة كهرباء ضمن أزمة الكهرباء، معادلة غريبة طبعاً، ولكنّها بغاية البساطة... والغرابة!
إذ إنّنا، يا إخوان، لا ننعم بالكهرباء طيلة فترة دورنا من «كهربة الدولة». ذلك أنّ «ديجانتير (محوّل الكهرباء) الحي ما بقى يحمل، ورح يبّج» على حد وصف صاحب متجر السمانة في شارعنا. ويعود السبب طبعاً إلى أنّ منطقتنا استقبلت في السنوات الأخيرة عدداً من الأبنية المشيّدة حديثاً، إلى جانب أمّ المشاكل وهي التعليق العشوائي على خطوط الآخرين ممن يريد توفير فاتورة الكهرباء الخاصة به.
هكذا، باتت عبارات «تكّ الديجانتير... علقوا بالأسانسير (المصعد الكهربائي)»، «يي إجت الكهربا»، «إي ما هلق بيتكّ حضرتو (أيّ الديجانتير)»، تُردد بكثرة على ألسنة سكان منطقتنا، الذين لم تعد آمانيهم تتوقف عند حدود مجيء التيار الكهربائي، بل بأن لا يتّك «حضرتو»... حالة والله.
ولأنّ المصائب لا تأتي فرادى في بعض الأحيان، أو لنقل في معظم الأحيان، فإنّ موّلد الاشتراك الذي نستمد منه الكهرباء (وهو أحد ثلاثة معامل توليد طاقة، أو عفواً، مولدات اشتراك في الحي) فإنّه بدوره أصبح كثير الأعطال في الفترة الأخيرة لكثرة المشتركين. إذ بات يتعطل في بعض الأحيان لمدة خمسة أيام متواصلة. وبما أنّ «الستاتيكو» السائد في الحي بين أصحاب المولدات لا يسمح لأحدهم بأن يستقبل مشتركين لديه من مولد آخر، فإنّنا محكومون بالتوافق حفاظاً على «السلم الكهربائي» في منطقتنا، وبالتالي لا يسعنا إلّا انتظار إصلاح العطل، فقط لا غير.
المهم، أنّه بعد غياب المعنيين عن السمع، كما العادة، وبعدما «فاض بيّ ومليت»، كما يحلو لجارنا أن يصف الوضع، فإنّ لجنة الحي قامت، مشكورة جداً، بلصق إعلانات عند مداخل الأبنية ترشد الأهالي إلى كيفية استخدام الطاقة حتى يخف الضغط عن «حضرتو» (الديجانتير كما قلنا). وبعض مما جاء في الملصق، أنّه، «بسبب الضغط الكبير على المحوّل الكهربائي في منطقتنا، الذي يسبب مشكلة الانقطاع المتكرر للتيار، واستباقاً لعدم الوقوع في كارثة حقيقية باحتراق المحول وانقطاع الكهرباء كلياً عن منطقتنا، وخصوصاً أنّ الشركة غير قادرة على إصلاح هذه المشكلة، فإنّنا ندعو سكان المنطقة إلى ترشيد استخدام الطاقة» (مع تعداد الإرشادات)، ويختم الملصق بشعار: «هكذا تبقى بيوتكم مضاءة»!
عليه، فلنرَ إذا كانت هذه الخطوة المهمة ستأتي بثمارها. وحتى تُحل «معضلة» الكهرباء في وطننا سأبقى أنا مشغولاً في كلّ ليلة، وقبل أن أخلد إلى النوم، بالتحديق في القمر الاصطناعي الذي يشع في الأفق، متسائلاً كيف يا ترى وصل إلى السماء؟