تركت منظمة الصحة العالمية الباب مفتوحاً أمام الموعد النهائي لإتاحة استعمال اللقاح المضاد لأنفلونزا «إيه اتش1 ان1»، وتوقعت أن تستغرق هذه الفترة من خمسة أشهر إلى ستة. لبنان اختار أن يكون خارج هذا السباق المحموم لحجز اللقاح بعدما رفضت الشركات المنتجة تحديد سعره النهائي وتسليمه لوزارة الصحة قبل آذار عام 2010

بسام القنطار
رفضت الشركات عرض وزارة الصحة إجازة اللقاح للاستخدام التجاري برغم أن العديد من الدول أعلنت شراءها كميات كبيرة من اللقاح المضاد لأنفلونزا (إيه أتش1 ان1)، إلا أن الشركات المعتمدة عالمياً لإنتاج هذا اللقاح لم تحدّد حتى اللحظة تكلفته النهائية ولا الموعد النهائي لتسليم الطلبات، رغم أن الحد الأقصى الممكن لإنتاج اللقاح خلال عام 2009 لن يتجاوز المئة مليون جرعة في الشهر الواحد، وغالبيتها العظمى محجوزة للدول الصناعية الكبرى، مع العلم أن النقاش العلمي لم يحسم الحاجة إلى أخذ جرعة أو جرعيتن، وبالتالي لا يزال الباب مفتوحاً أمام تحديد الكميات المطلوبة، والطريقة العادلة في توزيع حصة كل دولة من هذه اللقاحات، وخصوصاً دول الجنوب.
المدير العام لوزارة الصحة العامة الدكتور وليد عمّار أكد لـ «الأخبار» أن الشركات المعتمدة لإنتاج اللقاح أعلنت أنها لن تستطيع أن تسلّم لبنان أي حصة من إنتاجها قبل.. آذار عام 2010! لذلك «كان القرار بإرجاء القيام بعمليات الشراء في الفترة الحالية».
وأكد عمار أن «لبنان ليس معنياً بهذا السباق على الشراء، وخصوصاً أن أنفلونزا إيه (اتش1 ان1)، كانت شديدة الفتك في بداية ظهورها في المكسيك في شهر نيسان الماضي، لكن تبين لاحقاً أنها ليست بالخطورة التي اعتقدها الخبراء».
منسقة البرامج في منظمة الصحة العالمية في لبنان الدكتورة أليسار راضي قالت لـ«الأخبار» إن تحديد الموعد النهائي لإتاحة استعمال اللقاح أمر حساس، لأنّ عملية إنتاج لقاح جديد تنطوي على خطوات متسلسلة عديدة يستلزم إنجاز كل منها فترة زمنية معيّنة.
لن يتسلم لبنان أي حصة من اللقاح قبل آذار 2010!
وأشارت راضي إلى أنه لا بدّ أن يخضع اللقاح للموافقة التنظيمية قبل التمكّن من بيعه وتطعيم الناس به. ويمتلك كل بلد الأطر التنظيمية والقواعد الخاصة به في هذا المجال. ورأت راضي أن لبنان حقق نسبة استجابة عالية في التصدي للفيروس، والتزم بتوصيات المنظمة بدقّة. وإذا لم يتمكن من شراء اللقاح في الوقت الحالي فإنه بالتأكيد سيستفيد من النسخة الثانية من هذا اللقاح، التي سيجري تطويرها بناءً على التطورات التي قد تلحق بالفيروس، واستجابة الناس له خلال موجة الأنفلونزا الباردة التي تبدأ في الخريف وتمتد حتى منتصف الشتاء. وبالتالي فإن لبنان سيستفيد من النسخة الثانية من اللقاحات، التي ستُصنع عام 2010.
لكن د. عمّار شكك في حاجة لبنان والعالم أجمع إلى هذا اللقاح في مرحلة لاحقة، مشيراً إلى أن كل الشركات المنتجة لهذا اللقاح ترفض أن يُباع مباشرةً للجمهور، لكونها تبيعه للحكومات فقط، رغم أن لبنان عرض على إحدى هذه الشركات إجازة اللقاح من جانب اللجنة الوطنية للدواء وبالتالي بيعه مباشرة للجمهور «لكن الشركة رفضت تقديم كامل الأوراق المتعلقة بإجازة هذا اللقاح للجمهور».
ورأى عمّار أن «منظمة الصحة العالمية أصبحت محرجة مع هذه الشركات، بعدما ضغطت عليها بقوّة لكي تُجري بحوثاً علمية مستعجلة لتصنيع اللقاح، ليتبين لاحقاً أن هذا الفيروس هو أقل خطورة من فيروس الأنفلونزا الموسمية. والمنظمة ملتزمة حالياً مع الشركات التي استثمرت ملايين الدولارات لتطوير المنتج، والتي هي بحاجة إلى أسواق واسعة لتصريفه».
وأعلن عمار «أن ثمن العقار ما زال مدار جدال، وأن لبنان إذا قَرر حجز كمية من اللقاحات فإنه سيلتزم بكمية دون معرفة السعر النهائي، وهذا أيضاً أمر غير مبرر».
ولفت عمار إلى أن تعاطي وزارة الصحة العامة مع الفيروس الجديد خلال فترة الصيف كان تمريناً ناجحاً، وخصوصاً أن الطواقم الطبية في المستشفيات كانت قد خضعت لتدريبات مكثّفة لمواجهة أنفلونزا الطيور، الذي ما زال يمثّل خطراً أيضاً.
وأكد عمار أن الوزارة في جهوزية تامة لمواجهة الموجة التي ستأتي مع الخريف، وأن برنامج الرصد الوبائي في الوزارة يرصد حتى الشائعات التي تطلق، ويجري التأكد من صحتها، ولقد أثبت هذا النظام فعّاليته في الفترة الماضية.
ولفت عمار إلى أن الوزارة تنسق مع وزارة التربية ودور المسنين وجمعيات الإيواء، نافياً أن نشهد سيناريو إقفال للمدارس في بداية الموسم الدراسي. وأردف: «في حال اكتشاف إصابة أو أكثر في أحد الصفوف يُقفل الصف لمدة خمسة أيام لا المدرسة بأكملها، أما إذا كان هناك العديد من حالات الغياب، فإن الوزارة سوف تتحقّق فوراً من الأسباب وتتابعها». وأكد عمار أن «المصاريف المتعلقة بالرصد والمتابعة تنفق من اعتمادات الوزارة، ولكن فيما لو اتخذ قرار بشراء اللقاحات، فسوف نطلب اعتمادات إضافية من خارج الموازنة». وشدّد عمار على أن الطواقم الطبية في المستشفيات والأطباء في عياداتهم الخاصة تلقّوا تعليمات واضحة بشأن آلية التعاطي مع المرضى المسنّين، الذين يعانون اشتراكات مرضية، ومع الحوامل، لأن هذه الفئات عرضة أكثر من غيرها للخطر. والتعليمات واضحة بضرورة إعطاء العلاج بدواء «الأوسيلتاميفير» المضادّ للفيروسات في أقرب وقت ممكن بعد ظهور الأعراض. وينبغي للأطباء البدء بإعطاء العلاج فوراً، وعدم انتظار نتائج الفحوص المخبرية في حالات الحوامل.
بدروها أكدت راضي أن منظمة الصحة العالمية تصرّ على أن يطبّق مبدأ العدالة والإنصاف في موضوع الحصول على اللقاحات، وان يُعطى وفق الأولويات الصحية المحددة.
ونصحت راضي المواطنين بأخذ لقاح الأنفلونزا الموسمية لأن ذلك يسهّل التشخيص في حال الإصابة بأنفلونزا إيه (اتش1 ان1)، لكنها نبّهت إلى أن فعّالية هذا اللقاح لا تتجاوز 85%، وبالتالي فإن العديد من المحصّنين يتعرّضون للإصابة بفيروس الأنفلونزا الموسمية.
ولفتت راضي إلى أن منظمة الصحة ترى أن حق الحصول على اللقاح الجديد يندرج في خانة حقوق الإنسان، وأن المنظمة لن تقبل أن تحصل انتهاكات لهذه الحقوق.